للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

﴿وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ﴾، أي: ملك يسوقه إلى المحشر، وملك يشهد عليه بأعماله. هذا هو الظاهر من الآية الكريمة. وهو اختيار ابن جرير ثم روى من حديث إسماعيل بن أبي خالد، عن يحيى بن رافع -مولى لثقيف- قال: سمعت عثمان بن عفان يخطب، فقرأ هذه الآية: ﴿وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ﴾، فقال: سائق يسوقها إلى الله، وشاهد يشهد عليها بما عملت (٢١). وكذا قال مجاهد وقتادة وابن زيد.

وقال مُطَرِّف، عن [١]، أبي جعفر -مولى أشجع- عن أبي هُريرة: السائق الملك، والشهيد العمل. وكذا قال الضحاك والسدي.

وقال العوفي، عن ابن عباس: السائق من الملائكة، والشهيد الإنسان نفسه يشهد على نفسه. وبه قال الضحاك بن مزاحم أيضًا.

وحكى ابن جرير ثلاثة أقوال في المراد بهذا الخطاب في قوله: ﴿لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ﴾، أحدها أن المراد بذلك الكافر. رواه علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس. وبه يقول الضحاك بن مُزاحم وصالح بن كيسان.

والثاني: أن المراد بذلك كل أحد من بَرّ وفاجر؛ لأن الآخرة بالنسبة إلي الدنيا كاليقظة والدنيا كالمنام [٢]. وهذا اختيار ابن جرير، ونقله عن حُسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس.

والثالث: أن المخاطب بذلك النبي . وبه يقول زيد بن أسلم وابنه. والمعنى على قولهما: لقد كنت في غفلة من هذا الشأن قبل أن يُوحى إليك، فكشفنا عنك غطاءك بإنزاله إليك، فبصرك اليوم حديد.

والظاهر من السياق خلاف هذا، بل الخطاب مع الإِنسان من حيث هو، والمراد بقوله: ﴿لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا﴾، يعني من هذا اليوم، ﴿فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ﴾، أي: قوي؛ لأن كل واحد يوم القيامة يكون مستبصرًا، حتى الكفار في الدنيا يكونون [٣] يوم القيامة على الاستقامة، لكن لا ينفعهم ذلك، قال الله تعالى:


= عن الأعمش، عن أبي صالح عن أبي سعيد الخدري به، وهو إسناد صحيح. وللحديث طرق أخرى عند أحمد وغيره.
(٢١) - أخرجه الطبري في تفسيره (٢٦/ ١٦١). ومهران: صدوق له أوهام.