للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الآية الأخرى في قوله: ﴿وَقَال الشَّيطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إلا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾.

وقوله: ﴿قَال لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ﴾، يقول الرب ﷿ للإِنسي وقرينه من الجن، وذلك أنهما يختصمان بين يدي الحق، فيقول الإنسي: يارب، هذا أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني. ويقول الشيطان: ﴿رَبَّنَا مَا أَطْغَيتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ﴾، أي [١]: عن منهج الحق. فيقول الرب ﷿ لهما: ﴿لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ﴾ أي: عندي ﴿وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيكُمْ بِالْوَعِيدِ﴾ أي: قد أعذرت إليكم على ألسنة الرسل، وأنزلت الكتب، وقامت عليكم الحُجج والبينات والبراهين.

﴿مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ﴾. قال مجاهد: يعني قد قضيتُ ما أنا قاض، ﴿وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ﴾ أي [٢]: لست أعذب أحدًا بذنب أحد، ولكن لا أعذب أحدًا إلا بذنبه، بعد قيام الحجة عليه.

﴿يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ (٣٠) وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيرَ بَعِيدٍ (٣١) هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (٣٢) مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ (٣٣) ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ (٣٤) لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَينَا مَزِيدٌ (٣٥﴾

يخبر تعالى أنه يقول لجهنم يوم القيامة: ﴿هَلِ امْتَلَأْتِ﴾؟ وذلك أنه وعدها أن سيملؤها من الجنّة والناس أجمعين، فهو سبحانه يأمر بمن يأمر به إليها، ويلقي وهي تقول: ﴿هَلْ مِنْ مَزِيدٍ﴾ أي: هل بقي شيء تزيدوني؟ هذا هو الظاهر من سياق الآية، وعليه تدل الأحاديث:

قال البخاري عند تفسير هذه الآية: حدثنا عبد الله بن أبي الأسود، حدثنا [حَرَمي بن


= وقال المنذري في "الترغيب والترهيب" (٣/ ٢٩٨) … ورواه الطبراني بإسنادين رواة أحدهما رواة الصحيح، وقد روي عن أبي سعيد من قوله موقوفًا.
وزاد نسبته السيوطي في الدر المنثور (٤/ ١٣٨) إلى ابن مردويه.