للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذه الآية انتظمت آداب الضيافة، فإنه جاء بطعامه من حيث لا يشعرون بسرعة، ولم يمتن عليهم أولًا فقال: "نأتيكم بطعام؟ " بل جاء به بسرعة وخفاء، وأتى بأفضل ما وجد من ماله، وهو عجل فتي سمين مشوي، فقربه إليهم، لم يضعه. وقال: اقتربوا، بل وضعه لكن أيديهم، ولم يأمرهم أمرًا يشق على سامعه بصيغة الجزم، بل قال: ﴿أَلَا تَأْكُلُونَ﴾؟ على سبيل العرض و التلطف، كما يقول القلائل اليوم: إن رأيت أن تتفضل وتحسن وتتصدق، فافعل.

وقوله: ﴿فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً﴾، هذا محال على ما تقدم في القصة في السورة الأخرى [١]، وهو قوله: ﴿فَلَمَّا رَأَى أَيدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ (٧٠) وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ﴾، أي: استبشرت بهلاكهم، لتمَردهم وعتوهم على الله. فعند ذلك بشرتها الملائكة باسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب. ﴿قَالتْ يَاوَيلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيخًا إِنَّ هَذَا لَشَيءٌ عَجِيبٌ (٧٢) قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيكُمْ أَهْلَ الْبَيتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ﴾. ولهذا قال ها هنا: ﴿وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ﴾، فالبشارة له هي بشارة لها؛ لأن الولد [منهما، فكل منهام] [٢] بُشر به.

وقوله: ﴿فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ﴾ أي: في صرخة عظيمة ورَنَّة. قاله ابن عباس، ومجاهد وعكرمة، وأبو صالح، والضحاك، وزيد بن أسلم، والثوري، والسدي. وهي قولها: ﴿يَاوَيلَتَا﴾. ﴿فَصَكَّتْ وَجْهَهَا﴾ أي: ضربت بيدها على جبينها. قاله مجاهد وابن سابط.

وقال ابن عباس: لطمت، أي تعجبًا كما تتعجب النساء من الأمر الغريب، ﴿وَقَالتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ﴾، أي كيف ألد وأنا عجوز، وقد كنت في حال الصبا عقيمًا لا أحبل؟ ﴿قَالُوا كَذَلِكِ قَال رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ﴾، أي: عليم بما تستحقون من الكرامة، حكيم في أقواله وأفعاله.

﴿قَال فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (٣١) قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (٣٢) لِنُرْسِلَ عَلَيهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ (٣٣) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ (٣٤) فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٣٥) فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيرَ بَيتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٣٦) وَتَرَكْنَا فِيهَا


[١]- في خ: الأولى.
[٢]- في ز: "منها، فكل منهم".