للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عظمة الملَك الذي جاء بالرسالة، وجلالة قَدْره وعلوّ مكانته عند خالقه الذي بعثه إليه. فأما الحديث الذي رواه الحافظ أبو بكر البزار في مسنده حيث قال:

حدثنا سلمة بن شبيب، حدثنا سعيد بن منصور، حدثنا الحارث بن عبيد، عن أبي عمران الجَوْني، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله "بينا أنا قاعد إذ جاء جبربل فوكز بين كتفي، فقمت إلى شجرة فيها كَوَكْرَي الطير، فقعد في أحدهما [١] وقعدت في الآخر. فَسَمَت [٢] وارتفعت حتى سَدّت الخافقين وأنا أقلب طرفي، ولو شئت أن أمس السماء لمسست، فالتفت إليّ جبريل كأنه حلْس لاط فعرفتُ فضلَ علمه بالله عليّ، وفُتح لي باب من أبواب السماء ورأيت النور الأعظم، وإذا دون الحجاب رفرفة [٣] الدرّ والياقوت. وأوحى إلي ما شاء الله أن يوحي" (١٠).

ثم [٤] قال البزار: لا يرويه إلا الحارث بن عبيد، وكان رجلًا مشهورًا [٥] من أهل البصرة.

قلت: الحارث بن عُبَيد هذا هو أبو قدامه الإِيادي، أخرج له مسلم في صحيحه إلا أن ابن [٦] معين ضعَّفه، وقال: ليس هو بشيء. وقال الإِمام أحمد: مضطرب الحديث. وقال أبو حاتم الرازي: يكتب حديثه ولا يحتج به. وقال ابن حبان: كَثُر وهمه فلا يجوز الاحتجاج لهه إذا انفرد. فهذا الحديث من غرائب رواياته، فإن فيه نكارة وغرابة ألفاظ وسياقًا عجيبًا، ولعله منام، والله أعلم.

وقال الإِمام أحمد (١١): حدثنا حجاج، حدثنا شريك، عن عاصم، عن أبي وائل، عن


= قلت -أي ابن حجر-: أما الإرادة المذكورة في الزيادة الأولى ففي صريح الخبر أنها كانت حزنا على ما فاته من الأمر الذي بشره به ورقة، وأما الإرادة الثانية بعد أن تبدى له جبريل، وقال له: إنك رسول الله حقًّا فيحتمل ما قاله، والذي يظهر لي أنه بمعنى الذي قبله، وأما المعنى الذي ذكره الإسماعيلي فوقع قبل ذلك في ابتداء مجئ جبريل. ا هـ من الفتح.
(١٠) - أخرجه البزار كما في: "مختصر الزوائد" (١/ ٩٤ - ٩٥) (٣٥): وقال ابن حجر عن الحارث: أخرج له الشيخان، وهو مع ذاك له مناكير، هذا منها. والحديث في كشف الأستار (٥٨) ومجمع الزوائد (١/ ٧٥) وقال: رواه البزار والطبراني في الأوسط، وبقية رجاله رجال الصحيح.
(١١) المسند (١/ ٣٩٥). وفي إسناده شريك بن عبد الله النخعي تغير حفظه بعد أن ولي القضاء. =