للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مخلوقات الله، ولا تفكروا في ذات الله، فإن الله خلق ملكًا ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرةُ ثلاثمائة سنة"، أو كما قال (٨٩).

وقوله: ﴿وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى﴾، أي: خلق في عباده الضحك والبكاء وسببهما وهما مختلفان، ﴿وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا﴾، كقوله: ﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ﴾. ﴿وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَينِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (٤٥) مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى﴾، كقوله: ﴿أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى (٣٦) أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى (٣٧) ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى (٣٨) فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَينِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (٣٩) أَلَيسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى﴾.

وقوله: ﴿وَأَنَّ عَلَيهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرَى﴾، أي: كما خلق البداءة هو قادر على الإعادة، وهي النشأة الآخرة يوم القيامة ﴿وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى﴾، أي: مَلّك عباده المال، وجعله لهم قُنْيَةً مقيمًا عندهم، لا يحتاجون إلى بيعه، فهذا تمام النعمة عليهم. وعلى هذا يدور كلام كثير من المفسرين، منهم أبو صالح، وابن جرير، وغيرهما.

وعن مجاهد: ﴿أَغْنَى﴾: مَوّل، ﴿وَأَقْنَى﴾: أخدم. وكذا قال قتادة.

وقال ابن عباس، ومجاهد أيضًا: ﴿أَغْنَى﴾ أعطى ﴿وَأَقْنَى﴾ رضى.

وقيل: معناه أغنى نفسه وأفقر الخلائق إليه. قاله الحضرمي بن لاحق.

وقيل: ﴿أَغْنَى﴾ من شاء من خلقه و ﴿وَأَقْنَى﴾: أفقر من شاء منهم. قاله ابن زيد. حكاهما ابن جرير، وهما بعيدان من حيث اللفظ.

وقوله: ﴿وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى﴾، قال ابن عباس، ومجاهد، وقتادة، وابن زيد وغيرهم: هو هذا النجم الوقاد الذي يقال له: "مزْزَم الجوزاء"، كانت طائفة من العرب يعبدونه.

﴿وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى﴾، وهم: قوم هود. ويقال لهم: عاد بن إرم بن سام بن نوح، كما قال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (٦) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (٧) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ﴾، فكانوا من أشد الناس وأقواهم وأعتاهم على الله وعلى رسوله، فأهلكهم الله ﴿بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ (٦) سَخَّرَهَا عَلَيهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا﴾.


= أبي هريرة لا يزال الناس يتساءلون … فذكر الحديث التالي. وقد أورد الألباني في الصحيحة برقم (١٧٨٨) بلفظ: "تفكروا في آلاء الله، ولا تفكروا في الله ﷿".
(٨٩) - أخرجه مسلم في كتاب: الإيمان، باب: الوسوسة من الإيمان وما يقوله من وجدها، حديث (٢١٢ - ٢١٤/ ١٣٤) (٢/ ٢٠٢، ٢٠٣).