يخبر تعالى عما يثيب به المُصّدّقين [والمصّدّقات][١] بأموالهم على أهل الحاجة والفقر والمسكنة، ﴿وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا﴾ أي: دفعوه بنية خالصة ابتغاء وجه اللَّه، لا يريدون جزاء ممن أعطوه ولا شكورًا؛ ولهذا قال: ﴿يُضَاعَفُ لَهُمْ﴾ أي: يقابل لهم الحسنة بعشر أمثالها، ويزاد على ذلك إلى سبعمائة ضعف وفوق ذلك، ﴿وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ﴾، أي: ثواب جزيل حسن، ومرجع صالح ومآب ﴿كَرِيمٌ [٢]﴾.
وقوله: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ﴾: هذا تمام الجملة، وصف المؤمنين باللَّه ورسله بأنهم صديقون.
قال العوفي عن ابن عباس: قوله: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ﴾: هذه مفصولة، ﴿وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ﴾ وقال أبو الضحى: ﴿أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ﴾، ثم استأنف الكلام فقال: ﴿وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ - وهكذا قال مسروق، والضحاك، ومقاتل بن حيان، وغيرهم.
وقال الأعمش عن أبي الضّحى، عن مسروق، عن عبد اللَّه في قوله: ﴿أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ قال: هم ثلاثة أصناف: يعني المصَّدقين، والصدّيقين [٣]، والشهداء. كما قال تعالى: ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ﴾ ففرق بين الصديقين والشهداء، فدل على أنهما صنفان. ولا شك أن الصّدّيق أعلى مقامًا من الشهيد، كما رواه الإِمام مالك بن أنس ﵀ في كتابه الموطأ، عن صفوان بن سليم، عن عطاء بن يَسَار، عن أبي سعيد الخدري أن رسول اللَّه ﷺ؛ قال:"إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف من فوقهم كما تتراءون الكوكب الدريّ الغابر في الأفق من المشرق أو المغرب، لتفاضل ما بينهم". قالوا: يا رسول اللَّه؛ تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم؟ قال:"بلى، والذي نفسي بيده رجال آمنوا باللَّه وصدقوا المرسلين".
اتفق البخاري ومسلم على إخراجه من حديث مالك به (٤٧).
(٤٧) - أخرجه البخاري في كتاب: بدء الخلق، كتاب: ما جاء في صفة الجنة وأنها مخلوقة، حديث =