للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال ابن مسعود: أوشك بكم إن بقيتم -أو بقي من بقي منكم- أن تروا أمورًا تنكرونها، لا تستطيعون لها غيرًا، فبحسب المرء منكم أن يعلم اللَّه من قلبه أنه [لها] [١] كاره (٤٥).

وقال أبو جعفر الطبري: حدثنا [ابن] [٢] حُمَيد، حدثنا جرير، عن مغيرة، عن أبي معشر، عن إبراهيم؛ قال: جاء عتْريس بن عُرقوب إلى ابن مسعود؛ فقال: يا [٣] عبد اللَّه؛ هلك من لم يأمر بالمعروف وينه عن المنكر. فقال عبد اللَّه: هلك من لم يعرف قلبُه معروفًا ولم ينكر قلبه منكرًا؛ إن بني إسرائيل لما طال عليهم الأمد وقست قلوبهم، اخترعوا كتابًا من بين أيديهم وأرجلهم، استهوته قلوبهم، واستحلته ألسنتهم، وقالوا: نعرض بني إسرائيل على هذا الكتاب [فمن] [٤] آمن به تركناه، ومن كفر به قتلناه. قال: فجعل رجل منهم كتاب اللَّه في قَرْن، ثم جعل القرن بين ثَنْدُوتَيه فلما قيل له: أتؤمن بهذا؟ قال: آمنت به -ويوميء إلى القرن بين ثندوتيه- وما لي لا أومن بهذا الكتاب؟ فمن [خير] [٥] مللهم اليوم ملّة صاحب القرن (٤٦).

وقوله: ﴿اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾: فيه إشارة إلى أنه تعالى يلين القلوب بعد قسوتها، ويَهدي الحيَارى بعد ضَلتها، ويفرج الكروب بعد شدتها، فكما يحيي الأرض الميتة المجدبة الهامدة [بالغيث] [٦] الهَتَّان، كذلك يهدي القلوب القاسية ببراهين القرآن والدلائل، ويولج إليها النور بعد ما كانت مقفلة لا يصل إليها الواصل، فسبحان الهادي لمن يشاء بعد الإِضلال، والمضل لمن أراد بعد الكمال، الذي هو لما يشاء فعال، وهو الحكم العدل في جميع الفعال، اللطيف الخبير الكبير المتعال.

﴿إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ (١٨) وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ


(٤٥) - أخرجه البيهقي (٦/ ٩٥ - ٩٦) (٧٥٨٩) من طريق عمارة بن الربيع عميلة عن عبد اللَّه بن مسعود بنحوه.
(٤٦) - تفسير الطبري (٢٧/ ٢٢٩).