للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قُلُوبُهُمْ﴾: نهى اللَّه المؤمنين أن يتشبهوا بالذين حُمّلوا الكتاب قبلهم من اليهود والنصارى، لما تطاول عليهم الأمد بَدلوا كتاب اللَّه الذي بأيديهم، واشتروا به ثمنًا قليلًا، ونبذوه وراء ظهورهم، وأقبلوا على الآراء المختلفة والأقوال المؤتفكة، وقلدوا الرجال في دين اللَّه، واتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابًا من دون اللَّه، فعند ذلك قست قلوبهم، فلا يقبلون موعظة، ولا تلين قلوبهم بوعد ولا وعيد.

﴿وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ﴾ أي: في الأعمال، فقلوبهم فاسدة، وأعمالهم باطلة؛ كما قال: ﴿فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ﴾، أي: فسدت قلوبهم فقست وصار من سجيتهم تحريف الكلم عن مواضعه، وتركوا الأعمال التي أمروا بها، وارتكبوا ما نهوا عنه؛ ولهذا نهى اللَّه المؤمنين أن يتشبهوا بهم في شيء من الأمور الأصلية والفرعية.

وقد قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا هشام [بن عمار] [١]، حدثنا شهاب بن خرَاش، حدثنا حجاج بن دينار، عن منصور بن المعتمر، عن الرلعبن عَميلة الفزاري؛ قال: حدثنا عبد اللَّه بن مسعود حديثًا سمعت أعجب إليّ منه، إلا شيئًا من كتاب اللَّه، أو شيئًا قاله [٢] النبي ، قالا: أن بني إسرائيل لما طال عليهم الأمد [فقست] [٣] قلوبهم، اخترعوا كتابًا من عند أنفسهم، استهوته قلوبهم، واستحلَّته ألسنتهم واستلذته، وكان الحق يحول بينهم وبين كثير من شهواتهم، فقالوا: تعالوا ندع بني إسرائيل إلى كتابنا هذا، فمن تابعنا عليه تركناه، ومن كره أن يتابعنا قتلناه. ففعلوا ذلك، وكان فيهم رجل فقيه، فلما رأى ما يصنعون عَمَدَ إلى ما يعرف من كتاب اللَّه فكتبه في شيء لطيف، ثم أدرجه، فجعله في قرن ثم علق ذلك القرن في عنقه، فلما أكثروا القتل قال بعضهم لبعض: "هؤلاء، إنكم قد أفشيتم القتل في بني إسرائيل، فادعوا فلانًا فاعرضوا عليه كتابكم، فإنه أن تابعكم فسيتابعكم بقية الناس، وإن أبى فاقتلوه. فدعَوا فلانًا ذلك الفقيه؛ فقالوا: تؤمن بما في كتابنا؟ قال: وما فيه؟ اعرضوه عليّ. فعرضوه عليه إلى آخره، ثم قالوا: أتؤمن بهذا؟ قال: نعم، آمنت بما في هذا -[وأشار بيده إلى القرن- فتركوه، فلما مات] [٤] نبشوه فوجدوه مُتَعلِّقًا ذلك القرن، فوجدوا فيه ما يعرف من كتاب اللَّه، فقال بعضهم لبعض: يا هؤلاء، ما كنا نسمع هذا أصابه فتنة. فافترقت بنو إسرائيل على ثنتين وسبعين ملة، وخير مللهم ملة أصحاب ذي [٥] القرن [٦].


[١]- سقط من ز.
[٢]- في خ: قال:
[٣]- في ز: قست.
[٤]- ما بين المعكوفتين في ز، خ: فذكره.
[٥]- في خ: ذلك.
[٦]- في ز: الفرق.