للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فانزلوه، ثم انطلقوا به فلقيه الشيطان فقال: إني أنا الذي أوقعتك في هذا، ولن ينجيك منه غيرى، فاسجد لي سجدة واحدة وأنجيك مما أوقعتك فيه. قال: فسجد له، فلما أتوا به ملكهم تَبَرأ منه، وأُخِذَ فقتل.

وكذا روي عن ابن عباس، وطاوس، ومقاتل بن حيان، نحو ذلك. واشتهر عند كثير من الناس أن هذا العابد هو برصيصا، والله أعلم. وهذه القصة مخالفة لقصة جُريَج العابد، فإن جريجًا اتهمته [١] امرأة بَغِيٌّ بنفسها، وادعت أن حملَها منه، ورفعت أمره إلى وليّ الأمر، فأمر به فأنزل [من صومعته] [٢] وخُربت صومعته وهو يقول: ما لكم؟ ما لكم؟ فقالوا: يا عدو الله فعلت بهذه المرأة كذا وكذا. فقال جريج: اصبروا. ثم أخذ ابنها وهو صغير جدًّا ثم قال: يا غلام، من أبوك؟ فقال [٣]: أبي الراعي - وكانت قد أمكنته من نفسها فحملت منه، فلما رأى بنو إسرائيل ذلك عظموه كلهم تعظيمًا بليغًا وقالوا: نعيد صومعتك من ذهب. قال: لا، بل أعيدوها من طين كما كانت.

وقوله: ﴿فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَينِ فِيهَا﴾، أي: فكان عاقبة الآمر بالكفر والفاعل له، ومصيرهما [٤] إلى نار جهنم خالدين فيها، ﴿وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ﴾، أي: جزاء كل ظالم.

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (١٨) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (١٩) لَا يَسْتَوي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ (٢٠)

قال الإمام أحمد (٦٤): حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن عون بن أبي جُحَيفة، عن المنذر بن جرير، عن أبيه؛ قال: كنا [٥] عند - رسول الله في صدر النهار، قال: فجاءه قوم حفاة عُرَاة محتابي النمار -أو: العَبَاء [٦]- متقلدي


(٦٤) - القصة أوردها البخاري في صحيحه بإسناده من حديث أبي هريرة في كتاب أحاديث الأنبياء، باب: قول الله: ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا﴾، حديث (٣٤٣٦) (٦/ ٤٧٦).