للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

السيوف، عامتهم من مضر، بل كلهم من مضر، فتغير وجه رسول الله لما رأى بهم من الفاقة، قال: فدخل ثم خرج، فأمر بلالًا فأذن وأقام الصلاة، فصلى ثم خطب، فقال: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾ إلى آخر الآية: ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيكُمْ رَقِيبًا﴾، وقرأ الآية التي في الحشر: ﴿وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ﴾، تصدق رجل من ديناره، من درهمه، من ثوبه، من صاع بره، من ماع تمره،" حتى قال: "ولو بشق تمرة".

قال: فجاء رجل من الأنصار بصُرة كادت كفه تَعجز عنها، بل قد عجزت، ثم تتابع الناس حتى رأيت كومين من طعام وثياب، حتى رأيت رسول الله يتهلل وجهه كأنه مُذْهَبة فقال رسول الله : "مَن سن في الإِسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها به بعده من غير أن ينقُص من أجورهم شيء، ومن سن في الإِسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من غير أن ينقص من أوزارهم شيء".

انفرد بإخراجه مسلم (٦٥)، من حديث شعبة بإسناده مثله:

فقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ﴾: أمر بتقواه، وهي تشمل فعل ما أمر، وترك ما عنه زجر".

وقوله: ﴿وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ﴾، أي: حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وانظروا ماذا ادخرتم لأنفسكم من الأعمال الصالحة ليوم معادكم وعَرضكم على ربكم، ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ﴾: تأكيد ثان، ﴿إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾، أي: اعلموا أنه عالم بجميع أعمالكم وأحوالكم، لا تخفى [١] عليه منكم خافية، ولا يغيب عنه [٢] من أموركم جليل ولا حقير.

وقال: ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ﴾ أي: لا تنسوا ذكر الله فينسيكم العمل لمصالح [٣] أنفسكم التي [٤] تنفعكم في معادكم، فإن الجزاء من جنس العمل؛ ولهذا قال: ﴿أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾، أي: الخارجون من [٥] طاعة الله، الهالكون يوم القيامة، الخاسرون يوم معادهم، كما قال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ


(٦٥) - أخرجه أحمد (٤/ ٣٥٨ - ٣٥٩) (١٩٢٣٠).