للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ (٤)﴾.

تقدم الكلام على قوله: ﴿سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ غير مرة، بما أغنى عن إعادته.

وقوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾ إنكار على من يَعِدُ عِدَةً، أو يقول قولًا لا يفي به، ولهذا استدل بهذه الآية الكريمة [من ذهب] [١] من علماء السلف إلى أنه يجب الوفاء بالوعد مطلقًا، سواء ترتب عليه غُرم للموعود أم [٢] لا. واحتجوا أيضًا من السنة بما ثبت في الصحيحين (٥) أن رسول الله ؛ قال: "آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمِنَ خان". وفي الحديث الآخر في الصحيح (٦): " أربع من كنَّ فيه كان منافقًا خالصًا، ومن كانت فيه واحدة منهن كانت فيه خصلة من نفاق حتى يدعها". فذكر منهن إخلاف الوعد. وقد استقصينا الكلام على هذين الحديثين في أول "شرح البخاري"، ولله الحمد والمنة؛ ولهذا أكد تعالى هذا الإنكار عليهم بقوله: ﴿كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾.

وقد روى الإمام أحمد (٧) وأبو داود عن عبد الله بن عامر بن ربيعة؛ قال: أتانا رسول الله [في بيتنا] [٣] وأنا صبي، قال: فذهبت لأخرج ولألعب، فقالت أمي: يا عبد الله، تعال أعطك. فقال لها رسول الله : "وما أردت أن تُعطيه؟ " قالت: تمرًا. فقال: "أما إنك لو لم تفعلي كتبت عليك كذبة".

وذهب الإِمام مالك إلى أنه إذا تعلق بالوعد غُرم على الموعود وجب الوفاء به، كما لو قال لغيره: "تزوج ولك عليَّ كل يوم كذا" فتزوج، وجب عليه أن يعطيه ما دام


(٥) - أخرجه البخاري في كتاب الإيمان، باب: علامة المنافق، حديث (٣٣) (١/ ٨٩) وأطرافه في [٢٦٨٢، ٢٧٤٩، ٦٠٩٥]، ومسلم في كتاب الإيمان، باب: بيان خصال المنافق، حديث (١٠٧ - ١١٠/ ٥٩) (٢/ ٦٢ - ٦٤).
(٦) - أخرجه البخاري في الموضع السابق برقم (٣٤)، ومسلم في الموضع السابق عنده أيضًا برقم (١٠٦/ ٥٨) (٢/ ٦١ - ٦٢)
(٧) - أخرجه أحمد (٣/ ٤٤٧) (١٥٧٤٤). وأبو داود في باب: التشديد في الكذب، حديث (٤٩٩١) (٤/ ٢٩٨). كلاهما من طريق مولى من موالي عبد الله بن عامر عن عبد الله بن عامر به. وإسناده ضعيف لجهالة هذا المولى؛ إلا أن الشيخ الألباني أورده في الصحيحة (٧٤٨) لشواهده.