للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كذلك، لأنه تعلق به حق آدمي، وهو مبنيٌّ على المضايقة.

وذهب الجمهور إلى [١] أنه لا يجب، مطلقًا، وحملوا الآية على أنها نزلت حين تمنوا فَرضيَّة الجهاد عليهم، فلما فرض نكل عنه بعضهم، كقوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا (٧٧) أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ﴾. وقال تعالى: ﴿وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلَا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ﴾ الآية. وهكذا هذه الآية معناها، كما قال عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾، قال: كان ناس من المؤمنين قبل أن يفرض الجهاد يقولون: لَوددنا أن الله ﷿ دلنا على أحب الأعمال إليه، فنعمل به، فأخبر الله نبيه أن أحب الأعمال: إيمانٌ بالله [٢] لا شك فيه، وجهاد أهل معصيته الذين خالفوا الإِيمان ولم يقروا به.

فلما نزل الجهاد كره ذلك أناس، المؤمنين، وشق عليهم أمره، فقال الله سبحانه:

﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾. وهذا اختيار ابن جرير.

وقال مقاتل بن حَيَّان: قال المؤمنون: لو نعلم أحبّ الأعمال إلى الله لعملنا به. فدلهم الله على أحب الأعمال إليه، فقال: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا﴾، فبين لهم، فابتلوا يوم أحد بذلك، فولوا عن النبي مدبرين، فأنزل الله في ذلك: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾؟ وقال: أحبكم إليّ من قاتل في سبيلي.

ومنهم من يقول: أنزلت في شأن القتال. قوله الرجل: قاتلت، ولم يقاتل. وطعنت، ولم يطعن. وضربت، ولم يضرب. وصبرت، ولم يصبر.

وقال قتادة والضحاك: نزلت توبيخًا لقوم كانوا كولون: قتلنا، ضربنا، طعنا، وفعلنا. ولم يكونوا فعلوا ذلك.

وقال ابن زيد: نزلت في قوم من المنافقين كانوا يعدون المسلمين النصر، ولا يوفون لهم بذلك.

وقال مالك عن زيد بن أسلم: ﴿لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾ قال: في الجهاد.


[١]- في ز، خ: "على".
[٢]- في ت: "به".