وقال سعيد بن جبير في قوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا﴾، قال: كان رسول الله ﷺ لا يقاتل العدو إلا أن يصافهم، وهذا تعليم من الله للمؤمنين. قال: وقوله: ﴿كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ﴾: ملتصق بعضه في بعض، من الصف في القتال.
وقال مقاتل بن حيان: ملتصق بعضه إلى بعض.
وقال ابن عباس: ﴿كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ﴾: مُثبت، لا يزول، ملصق بعضه ببعض.
وقال قتادة: ﴿كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ﴾: ألم تر إلى صاحب [١] البنيان، كيف لا يحب أن يختلف بنيانه؟ فكذلك الله ﷿ لا [٢] يختلف أمره، وإن الله صف المؤمنين في قتالهم وصفهم في صلاتهم، فعليكم بأمر الله، فإنه عصمة لمن أخذ به. أورد ذلك كله ابن أبي حاتم.
وقال ابن جرير (١١): حدثني سعيد بن عَمرو السكوني، حدثنا بقية بن الوليد، عن أبي بكر بن أبي مريم، عن يحيى بن جابر الطائي، عن أبي بحرية؛ قال: كانوا يكرهون القتال على الخيل، ويستحبون القتال على الأرض، لقول الله ﷿: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ﴾، قال: وكان أبو بحرية يقول: إذا رأيتموني التفتُّ في الصف فَجئُوا في لحيي.
يقول تعالى مخبرًا عن عبده ورسوله وكليمه موسى بن عمران ﵇: إنه قال لقومه: ﴿لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ﴾، أي: لم توصلون الأذى إليَّ، وأنتم تعلمون صدقي فيما جئتكم به من الرسالة؟ وفي هذا تسلية لرسول الله ﷺ فيما أصاب من الكفار من قومه وغيرهم، وأمر له بالصبر، ولهذا قال: "رحمة
(١١) - أخرجه الطبري (٢٨/ ٨٦) وفي إسناده بقية بن الوليد وهو مدلس.