للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الله على موسى، لقد أوذي بأكثر من هذا فصبر" (١٢).

وفيه نهي للمؤمنين أن ينالوا من النبي أو يوصلوا إليه أذى، كما قال

تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا﴾.

وقوله: ﴿فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ﴾، أي: فلما عدلوا عن اتباع الحق مع علمهم به، أزاغ الله قلوبهم عن الهدى، وأسكنها الشك والحيرة والخذلان، كما قال تعالى: ﴿وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾. وقال: ﴿وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى [وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ] [١] نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾؛ ولهذا قال تعالى في هذه الآية: ﴿وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾.

وقوله: ﴿وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ﴾. يعني: التوراة قد بَشَّرت بي، وأنا مصداقُ ما أخبرت عنه، وأنا مُبَشر بمن بعدي، وهو الرسول النبي الأمي العربي المكي أحمد. فعيسى هو خاتم أنبياء بني إسرائيل، وقد أقام في ملإ بني إسرائيل مبشرًا بمحمد، وهو أحمد خاتم الأنبياء والمرسلين، الذي لا رسالة بعده ولا نبوة. وما أحسن ما أورد البخاري (١٣) الحديث الذي قال فيه:

حدثنا أبو اليمان، حدثنا شعيب، عن الزهريّ، قال: أخبرني محمد بن جُبَير بن مُطعم، عن أبيه؛ قال: سمعت رسول الله ؛ يقول: "إن لي أسماء: أنا محمد، وأنا أحمد، وأنا الماحي الذي يمحو الله به الكفر، وأنا الحاشر الذي يُحشر الناس على قدمي، وأنا العاقب".

ورواه مسلم من حديث الزهريّ به نحوه.

وقال أبو داود الطيالسي (١٤): حدثنا المسعودي، عن عمرو بن مُرّة، عن أبي عُبَيدة،


(١٢) - أخرجه البخاري في كتاب المغازي، باب: غزوة الطائف، حديث (٤٣٣٥، ٤٣٣٦) (٨/ ٥٥).
(١٣) - أخرجه البخاري في كتاب التفسير، باب: ﴿يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ﴾، حديث (٤٨٩٦) (٨/ ٦٤٠، ٦٤١). ومسلم في كتاب الفضائل، باب: في أسمائه حديث (١٢٤، ١٢٥/ ٢٣٥٤) (١٥/ ١٥٢ - ١٥٤).
(١٤) - أخرجه الطيالسي في مسنده (٦٧) برقم (٤٩٢) وليس عند الطيالسي "نبي الرحمة"، وهي=