للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

نعليه وأوضئه. وأمَرَ بهدية الآخرَين فردّت إليهما، ثم تعجل عبد الله بن مسعود حتى أدرك بدرًا، وزعم أن النبي استغفر له حين بلغَه موته.

وقد رُويت هذه القصةُ عن جعفر وأم سلمة وموضع ذلك كتاب السيرة. والقصد [١] أن الأنبياء لم تزل تنعته وتحكيه في كتبها على أممها، وتأمرهم باتباعه ونصره وموازرته إذا بعث، وكان مما اشتهر الأمر في أهل الأرض على لسان إبراهيم الخليل والد [٢] الأنبياء بعده، حين دعا لأهل مكة أن يبعث الله فيهم رسولًا منهم، وكذا على لسان عيسى ابن مريم؛ ولهذا قالوا: "أخبِرْنا عن بَدْء أمرك". يعني في الأرض، قال: "دعوة أبي إبراهيم، وبشارة عيسى ابن مريم، ورؤيا أمي التي رأت". أي: ظهر في أهل مكة أثر ذلك، والإِرهاص [٣] بذكره صلوات الله وسلامه عليه.

وقوله: ﴿فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ﴾، قال ابن جريج وابن جرير: ﴿فَلَمَّا جَاءَهُمْ﴾ أحمد، أي: المبشر به في الأعصار المتقادمة، المنوه بذكره في القرون السالفة، لما ظهر أمره وجاء بالبينات قال الكفرة المخالفون: ﴿هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ﴾.

﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (٧) يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (٨) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (٩)

يقول تعالى: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ﴾، أي: لا أحد أظلم ممن يفتري الكذب علي الله، ويجعل له أندادًا وشركاء، وهوَ يدعى إلى التوحيد والإِخلاص؛ ولهذا قال: ﴿وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾.

ثم قال: ﴿يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ﴾، أي: يحاولون أن يَرُدوا الحق بالباطل، ومثلهم في ذلك كمثل من [يريد أن] [٤] يطفئ شعاع الشمس بفيه، وكما أن هذا مستحيل كذلك [٥] ذاك مستحيل، ولهذا قال: ﴿وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (٨) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾،


[١]- في ت: "المقصد".
[٢]- في ز، خ: "و".
[٣]- بياض في: ز، خ.
[٤]- ما بين المعكوفتين سقط من: ز، خ.
[٥]- في ت: "كذاك".