للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد تقدم الكلام على هاتين الآيتين في "سورة براءة" بما فيه كفابة، ولله الحمد والمنَّة.

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (١٠) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (١١) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١٢) وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (١٣)

تقدم في حديث عبد الله بن سلام أن الصحابة أرادوا أن يسألوا عن أحب الأعمال إلى الله ﷿ ليفعلوه فأنزل الله هذه السورة، ومن جملتها هذه الآية: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ ثم فسر هذه التجارة العظيمة التي لا تبور، التي هي [متحصل الموجود] [١] ومزيلة للمحذور، فقال: ﴿تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾، أي: من تجارة الدنيا، والكد لها والتصدي لها وحدها.

ثم قال: ﴿يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ﴾، أي: إن فعلتم ما أمرتكم به ودللتكم عليه، غفرت لكم الزلات، وأدخلتكم الجنات، والمساكن الطيبات، والدرجات العاليات؛ ولهذا قال: ﴿وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾.

ثم قال: ﴿وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا﴾ [أي: وأزيدكم على ذلك زيادة تحبونهما] [٢]، وهي: ﴿نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ﴾ أي: إذا قاتلتم في سبيله ونصرتم دينه، تكفل الله بنصركم، قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (٧)[محمد: ٧] وقال تعالى: ﴿وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَويٌّ عَزِيزٌ﴾ وقوله: ﴿وَفَتْحٌ قَرِيبٌ﴾، أي: عاجل. فهذه الزيادة هي خير الدنيا موصول بنعيم الآخرة، لمن أطاع الله ورسوله ونصر الله ودينه؛ ولهذا قال: ﴿وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ﴾.

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَال عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَال الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ


[١]- ما بين المعكوفتين في ت: "محصلة للمقصود".
[٢]- ما بين المعكوفتين سقط من: ز، خ.