للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ (١٤)

يقول تعالى آمرًا عبادَه المؤمنين أن يكونوا أنصار الله في جميع أحوالهم، بأقوالهم وأفعالهم وأنفسهم وأموالهم، وأن يستجيبوا لله ولرسوله، كما استجاب الحواريون لعيسى حين قال: ﴿مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ﴾؟ أي: من مُعيني في الدعوة إلى الله ﷿؟ ﴿قَال الْحَوَارِيُّونَ﴾ -وهم أتباع عيسى : ﴿نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ﴾، أي: نحن أنصارك على ما أرسلتَ به ومُوَازروك على ذلك؛ ولهذا بعثهم دعاةً إلى الناس في بلاد الشام في الإِسرائيلين واليونانيين. وهكذا كان رسول الله يقول في أيام الحج: "من رجل يُؤويني حتى أبلغ وسالة ربي، [فإن قريشًا قد منعوني أن أبلغ رسالة ربي"] [١] (٢٠) حتى قيض الله ﷿ له الأوس والخزرج من أهل المدينة، فبايعوه ووازروه، وشارطوه أن يمنعوه من الأسود والأحمر إن هو هاجر إليهم، فلما هاجر إليهم بمن معه من أصحابه وَفَوا له بما عاهدوا الله عليه، ولهذا سماهم الله ورسوله الأنصارَ، وصار ذلك علمًا عليهم، وأرضاهم.

وقوله: ﴿فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ﴾ أي: لما بلغ عيسى ابن مريم رسالة ربه إلى قومه، و [٢] وازره مَن وازره من الحواريين، اهتدت طائفة من بني إسرائيل بما جاءهم به، وضلت طائفة فخرجت عما جاءهم به، وجحدوا بنبوته [٣]، ورموه وأمه بالعظائم، وهم اليهود عليهم لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة!! وغلت فيه طائفة ممن اتبعه، حتى رفعوه فوق ما أعطاه الله من النبوة، وافترقوا فِرَقًا وشِيعًا، فمن قائل منهم: إنّه ابن الله، وقائل: إنه ثالث ثلاثة: الأب، والابن، وروح القدس، ومن قائل: إنه الله. وكل هذه الأقوال مفصلة في سورة النساء.

وقوله: ﴿فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ﴾، أي: نصرناهم على من عاداهم من فِرق


(٢٠) - أخرجه أحمد (٣/ ٣٢٢ - ٣٢٣) (١٤٤٩٨)، والبيهقي (٨/ ١٤٦) كتاب: قتال أهل البغي، باب: كيفية البيعة، من طريق أبي الزبير عن جابر مطولًا. وإسناده صحيح، وصححه ابن حبان (٦٢٧٤)، والحاكم (٢/ ٦٢٤ - ٦٢٥) ووافقه الذهبي. وحسنه الحافظ ابن حجر في الفتح (٧/ ٦٣).
وقد أخرجه أبو داود (٤٧٣٤)، والترمذي (٢٩٢٦)، والنسائي في الكبرى (٧٧٢٧)، وابن ماجه (٢٠١) مختصرًا من طريق سالم عن جابر نحو هذا اللفظ.