النصارى، ﴿فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ﴾ أي: عليهم، وذلك ببعثة محمَّد ﷺ، كما قال الإِمام أبو جعفر بن جرير (٢١)﵀:
حدثني أبو السائب، حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن المنهال -يعني ابن عمرو- عن سعيد بن جُبير، عن ابن عباس ﵄ قال: لما أراد الله ﷿ أن يرفع عيسى إلى السماء، خرج إلى أصحابه، وهم في بيت اثنا عشر رجلًا، من عين في البيت، ورأسه يقطر ماء، فقال: إن منكم من يكفر بي اثنتي عشرة مرةً بعد أن آمن بي. قال: ثم قال: أيكم يلقى عليه شبهي فيقتل مكاني، ويكون معي في درجتي؟ قال: فقام شاب من أحدثهم سنًّا فقال: أنا. قال: فقال له [١]: اجلس. ثم أعاد عليهم، فقام الشاب فقال: أنا. فقال له: اجلس. ثم أعاد عليهم فقام الشاب فقال: أنا. فقال: نعم، أنت ذاك. قال: فألقي عليه شبه عيسى، ورُفع عيسى ﵇ من روَزنة في البيت إلى السماء، قال: وجاء الطلَبُ من اليهود، فأخذوا شِبْهه فقتلوه وصلبوه، وكفر به بعضهم اثنتي عشرة مرة بعد أن آمن به فتفرقوا ثلاث فرق، قالت فرقة: كان الله فينا ما شاء، ثم صعد إلى السماء، وهؤلاء اليعقوبية، وقالت فرقة: كان فينا ابن الله ما شاء، ثم رفعه إليه -وهؤلاء النسطورية- وقالت فرقة: كان فينا عبد الله ورسوله ما شاء الله ثم رفعه إليه -وهؤلاء المسلمون- فتظاهرت الكافرتان على المسلمة، فقتلوها، فلم يزل الإسلام طامسًا حتى بعث الله محمدًا ﷺ، ﴿فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ﴾، يعني: الطائفة التي كفرت من بني إسرائيل في زمن عيسى، والطائفة التي آمنت في زمن عيسى، ﴿فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ﴾، بإظهار محمَّد ﷺ دينهم على دين الكفار، ﴿فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ﴾.
هذا لفظه في كتابه عند تفسير هذه الآية الكريمة. وهكذا رواه النسائي عند تفسير هذه الآية من سننه، عن أبي كريب محمَّد بن العلاء [٢]، عن أبي معاوية، بمثله سواء فأمة محمَّد ﷺ لا يزالون ظاهرين على الحق، حتى يأتي أمر الله وهم كذلك، وحتى يقاتل آخرهم الدجال مع المسيح عيسى ابن مريم ﵇ كما وردت
(٢١) - أخرجه الطبري في تفسيره (٢٨/ ٩٢). (٢٢) - والنسائي في الكبرى في كتاب التفسير، باب: قوله تعالى: ﴿فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ﴾، حديث (١١٥٩١) (٦/ ٤٨٩ - ٤٩٠). والحديث عزاه المصنف في "البداية والنهاية" (٢/ ١٠٨ - ١٠٩) لأبي حاتم من طريق أحمد بن سنان عن أبي معاوية بهذا الإسناد ثم قال: وهذا إسناد صحيح إلى ابن عباس على شرط مسلم. ا هـ.