للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

جُنَّة، أي: تقية يتقون به القتل. والجمهور يقرؤها: ﴿أَيمَانَهُمْ﴾ جمع يمين.

﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ﴾، [أي: إنما قُدر عليهم النفاق لرجوعهم عن الإِيمان إلى الكفران، واستبدالهم الضلالة بالهدى ﴿فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ﴾] [١] أي: فلا يصل إلى قلوبهم هدى، ولا يخلص إليها خير، فلا تعي ولا تهتدي. ﴿وَإِذَا رَأَيتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ﴾، أي: كانوا أشكالًا حسنة وذوي فصاحة وألسنة، إذا سمعهم السامع يصغي إلى قولهم لبلاغتهم، وهم مع ذلك في غاية الضعف والخَور والهلع والجزع والجبن، ولهذا قال: ﴿يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيحَةٍ عَلَيهِمْ﴾، أي: كلما وقع أمر [٢] أو كائنة أو خوف، يعتقدون لجبنهم أنه نازل بهم، كما قال تعالى: ﴿أَشِحَّةً عَلَيكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيرِ أُولَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا﴾ فهم جهامات وصور بلا معاني. ولهذا قال: ﴿هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ﴾، أي: كيف يُصرفون عن الهدى إلى الضلال.

وقد قال الإمام أحمد (١): حدثنا يزيد، حدثنا عبد الملك بن قدَامة الجُمَحي، عن إسحاق بن بكر بن أبي الفرات، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبيه، عن أبي هريرة، ، عن النبي ؛ قال: "إن للمنافقين علامات يعرفون بها: تحيتهم لحنة، وطعامهم نُهبَة، وغنيمتهم غلول، ولا يقربون المساجد إلَّا هجرًا، ولا يأتون الصلاة إلا دَبْرًا مستكبرين لا يألفون ولا يؤلفون خشب بالليل، صُخُب بالنهار". وقال يزيد مَرة: "سُخُبٌ بالنهار".

﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (٥) سَوَاءٌ عَلَيهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (٦) هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ


(١) المسند (٢/ ٢٩٣) (٧٩١٣). وقال الهيثمي في "المجمع" (١/ ١١٢): رواه أحمد والبزار وفيه عبد الملك بن قدامة الجمحي وثقه يحيى بن معين وغيره، وضعفه الدارقطني وغيره.