للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ (٧) يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ (٨)

يقول تعالى مخبرًا عن المنافقين -عليهم لعائن الله-: إنهم ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ﴾ أي: صدوا وأعرضوا عما قيل لهم، استكبارًا عن ذلك، واحتقارًا لما قيل لهم. ولهذا قال: ﴿وَرَأَيتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ﴾. ثم جازاهم على ذلك فقال: ﴿سَوَاءٌ عَلَيهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾. كما قال في سورة "براءة" وقد تقدم الكلام على ذلك، وإيراد الأحاديث المروية هنالك.

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا ابنُ أبي عُمر العَدَني؛ قال: قال سفيان: ﴿لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ﴾، قال ابن أبي عمر: حولَ سفيان وجهه على يمينه، ونظر بعينيه [١] شزْرًا، ثم قال: هُم هذا.

وقد ذكر غير واحد من السلف؛ أن هذا السياق كله نزل في عبد الله بن أبيّ بن سلول، كما سنورده قريبًا إن شاء الله تعالى، وبه الثقة وعليه التكلان.

وقد قال محمد بن إسحاق في السيرة (٢): ولما قدم رسول الله المدينة [٢]-يعني مَرجعَه من أحد- وكان عبد الله بن أبيّ بن سلول -كما حدثني بن شهاب الزهري- له مقام يَقُومه كل جُمعَة لا ينكر، شَرَفًا له من نفسه ومن قومه، وكان فيهم شريفًا، إذا جلس النبي يوم الجمعة وهو يخطب الناس قام، فقال: أيها [٣] الناس، هذا رسول الله بين أظهركم، أكرمكم الله به وأعزكم به، فانصروه وعَزروه، واسمعوا له وأطيعوا. ثم جلس، حتى إذا صَنَع يوم أحد ما صنع -يعني مرجعه بثلث الجيش- ورجع الناس، قام يفعل ذلك كما كان يفعله، فأخذ المسلمون بثيابه من نواحيه وقالوا: اجلس، أي عدو الله، لست لذلك بأهل، وقد صنعتَ ما صنعتَ. فخرج يتخطى رقاب الناس وهو يقول: والله لكأنما قلت بَجْرًا، أن [٤] قُمت أشدد أمره. فلقيه رجال من الأنصار بباب المسجد فقالوا: ويلك، ما لك؟ قال: [قمتُ أشدد] [٥] أمره، فوثب علي


(٢) - السيرة النبوية لابن هشام (٣/ ٦١٨ - ٦١٩).