للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومن هاهنا أخذ الفقهاء أحكام الطلاق وقسموه إلى طلاق سنة وطلاق بدعة، فطلاق السنة أن يطلقها طاهرًا من غير جماع، أو حاملًا قد استبان حملها. والبدْعي: هو أن يطلقها في حال الحيض، أو في طهر قد جامعها فيه، ولا يدري أحملت أم لا؟ وطلاق ثالث لا سنة فيه ولا بدعة، وهو طلاق الصغيرة والآيسة وغير المدخول بها، وتحرير الكلام في ذلك وما يتعلق به مستقصى في كتب الفروع [١]، والله أعلم.

وقوله: ﴿وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ﴾، أي: احفظوها واعرفوا ابتداءها وانتهاءها، لئلا تطول العدة على المرأة فتمتنع من الأزواج. ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ﴾، أي: في ذلك.

وقوله: ﴿[] [٢] لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ﴾ أي: في مدة العدة لها حق السكنى على الزوج ما دامت معتدة منه، فليس للرجل أن يخرجها، ولا يجوز لها أيضًا الخروج؛ لأنها [معتقلة لحق] [٣] الزوج أيضًا.

وقوله: ﴿إلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ﴾ أي: لا يخرجن من بيوتهن إلا أن ترتكب المرأة فاحشة مبينة، فتخرج من المنزل، والفاحشة المبينة تشمل [٤] الزنا، كما قاله ابن مسعود، وابن عباس، وسعيد بن المسيب، والشعبي، والحسن، وابن سيرين، ومجاهد، وعكرمة، وسعيد بن جبير، وأبو قلابة، وأبو صالح، والضحاك، وزيد بن أسلم، وعطاء الخراساني، والسدي، وسعيد بن أبي هلال، وغيرهم. وتشمل ما إذا نشزت المرأة أو بَذَت على اهل الرجل وآذتهم في الكلام والفعال، كما قاله أبيّ بن كعب، وابن عباس وعكرمة وغيرهم.

وقوله: ﴿وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ﴾، [أي: شرائعه ومحارمه، ﴿وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ﴾] [٥]، أي: يخرج عنها ويتجاوزها إلى غيرها ولا يأتمر بها، ﴿فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ﴾، أي: بفعل ذلك.

وقوله: ﴿لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا﴾، أي: إنما أبقينا المطلقة في منزل الزوج في مدة العدة، لعل الزوج يندم على طلاقها، ويخلق الله في قلبه رَجْعَتَهَا، فيكون ذلك أيسر وأسهل.

قال الزهري عن عبيد الله بن عبد الله، عن فاطمة بنت قيس في قوله: ﴿لَا تَدْرِي] [٦] لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا﴾، قالت: هي الرجعة، وكذا قال الشعبي، وعطاء، وقتادة، والضحاك، ومقاتل بن حيان، والثوري. ومن هاهنا ذهب من ذهب من السلف ومن


[١]- سقط من خ.
[٢]- ما بين المعكوفتين في ز: "و".
[٣]- ما بين المعكوفتين في ز، خ: "متعلقة بحق".
[٤]- في ز، خ: كمثل.
[٥]- ما بين المعكوفتين مكرر في ز، خ.
[٦]- ما بين المعكوفتين سقط من ز.