وقوله: ﴿ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾، أي: هذا الذي أمرناكم به من الإِشهاد وإقامة الشهادة، إنما يأتمر به من يؤمن بالله وأنه شرع هذا، ويخاف عقاب الله في الدار الآخرة.
ومن هاهنا ذهب الشافعي -في أحد قوليه- إلى وجوب الإِشهاد في الرجعة، كما يجب عنده [١] في ابتداء النكاح. وقد قال بهذا طائفة من العلماء، ومن قال بهذا يقول: إن الرجعة لا تصح إلا بالقول ليقع الإِشهاد عليها.
وقوله: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (٢) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيثُ لَا يَحْتَسِبُ﴾، أي: ومن يتق الله فيما أمره [٢] به وتَرَك ما نهاه عنه، يجعل له من أمره مخرجًا، ويرزقه من حيث لا يحتسب، أي: من جهة لا تخطر بباله.
قال الإِمام أحمد (١٠): حدثنا يزيد، أخبرنا كهمس بن الحسن، حدثنا أبو السليل، عن أبي ذر قال: جعل رسول الله ﷺ يتلو عَليَّ هذه الآية ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (٢) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيثُ لَا يَحْتَسِبُ﴾، حتى فرغ من الآية، ثم قال:"يا أبا ذر؛ لو أن الناس كلهم أخذوا بها كفتهم". قال: فجعل يتلوها ويُرددها عليَّ حتى نَعَست، ثم قال:"يا أبا ذر؛ كيف تصنع إن أخرجت من المدينة؟ ". قال [٣]: قلت: إلى السعة والدّعَة أنطلق، فأكون حمامة من حمام مكة. قال:"كيف تصنع إن أخرجت من مكة؟ " قال: قلت: إلى السعة والدّعة، إلى الشام والأرض المقدسة. قال:"وكيف تصنع إن أُخرجتَ من الشام؟ ". قلت: إذًا -والذي بعثك بالحق- أضع سيفي على عاتقي. قال:"أوخير من ذلك؟ ". قلت: أوخير من ذلك؟! قَال:"تسمع وتطيع، وإن كان عبدًا حبشيًّا".
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن منصور الرمادي [٤]، حدثنا يعلى بن عبيد، حدثنا زكريا، عن عامر، عن شُتَير [٥] بن شَكل؛ قال: سمعت عبد الله بن مسعود؛ يقول: إن أجمع آية في القرآن: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ﴾، وإن أكثر آية في القرآن فرجًا: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا﴾.
(١٠) المسند (٥/ ١٧٨ - ١٧٩) (٢١٦٣٤) قال الهيثمي في "المجمع" (٥/ ٢٢٦): رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح، إلا أن أبا السليل: ضريب بن نفير لم يدرك أبا ذر.