للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وعن أبي كريب وهارون بن عبد الله والحسن بن بشر (١٧)، ثلاثتهم عن أبي أسامة حماد بن أسامة، عن هشام بن عروة، به. وعنده: قالت: وكان رسول الله يشتد عليه أن يوجد منه الريح -يعني: الريح الخبيثة- ولهذا قلن له: أكلت مغافير، لأن ريحها فيه شيء. فلما قال: "بل شربت عسلًا". قلن: جَرَست نحلُه العرفطَ. أي: رَعَت نحلُه شَجَر العرفط الذي صَمغه المغافير، فلهذا ظهر ريحه في العسل الذي شربته.

قال الجوهري: جرست النحل العرفط تجرس [١]،: إذا أكلته ومنه قيل للنحل: جوارس، قال الشاعر:

* تَظَلّ عَلَى الثَّمرَاء مِنها جَوَارسُ*

وقال: الجَرْس والجِرْس: الصوت الخفي. ويقال: سمعت جرس [الطير: إذا سمعت صوت مناقيرها على شيء تأكله، وفي الحديث: "فيسمعون جَرْس] [٢] طير الجنة". قال الأصمعي: كنت في مجلس شُعبة قال: "فيسمعون جَرْش طير الجنة" بالشين، فقلت: "جرس" فنظر إليّ وقال [٣]: خذوها عنه، فإنه أعلم بهذا منا.

والغرض أن هذا السياق فيه [٤]: أن حفصة هي الساقية للعسل، وهو من طريق هشام بن عروة، عن أبيه، عن خالته عائشة. وفي طريق ابن جريج، عن عطاء، عن عبيد بن عمير، عن عائشة: أن زينب بنت جحش هي التي سقت العسل، وأن عائشة وحفصة تواطأتا [٥] وتظاهرتا عليه، فالله أعلم. وقد يقال: إنهما واقعتان، ولا بُعدَ في ذلك، إلا أن كونَهما سببًا لنزول هذه الآية فيه نظر، والله أعلم.

ومما يدل علي أن عائشة وحفصة هما المتظاهرتان الحديث الذي رواه الإمام أحمد (١٨) في مسنده حيث قال: حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن الزهري، عن عُبَيد الله بن عبد الله بن أبي ثور، عن ابن عباس قال: لم أزل حريصًا علي أن أسأل عمر عن المرأتين من [٦] أزواج النبي اللتين قال الله تعالى: ﴿إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا﴾، حتى حج عمر وحججت معه، فلما كان ببعض الطريق عدل عمر وعدلت معه بالإداوة، فتبرّز ثم، أتاني، فسكبت على يديه فتوضأ، فقلت: لها أمير المؤمنين، من المرأتان من أزواج النبي اللتان قال الله تعالى: ﴿إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ


(١٧) صحيح مسلم في الموضع السابق (٢١/ ١٤٧٤) (١٠/ ١٠٩ - ١١٢).
(١٨) المسند (١/ ٣٣ - ٣٤) (٢٢٢).