للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْخَبِيرُ﴾.

ثم ذكر نعمته على خلقه في تسخيره لهم الأرض وتذليله إياها لهم، بأن جعلها قارة ساكنة لا تميد [١] ولا تضطرب، بما جعل فيها من الجبال، وأنبع فيها من العيون، وسلك فيها من السبل، وهَيأها [٢] فيها من المنافع ومواضع الزروع [٣] والثمار، فقال: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا﴾، أي: فسافروا حيث شئتم من أقطارها، وترددوا في أقاليمها وأرجائها في أنواع المكاسب والتجارات، واعلموا أن سعيكم لا يجدي عليكم شيئًا، إلا أن ييسره اللَّه لكم؛ ولهذا قال: ﴿وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ﴾، فالسعي في السبب لا ينافي التوكل، كما قال الإِمام أحمد (١٢):

حدثنا أبو عبد الرحمن، حدثنا حيوة، أخبرني بكر بن عمرو: أنه سمع عبد اللَّه بن هُبَيرة؛ يقول: إنه سمع أبا تميم [٤] الجيَشَاني؛ يقول: إنه سمع عمر بن الخطاب يقول: إنه سمع رسول اللَّه يقول: "لو أنكم تتوكلون [٥] على اللَّه حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصًا وتروح بطانًا".

رواه الترمذي والنسائي وابن ماجة، من [٦] حديث ابن هبيرة، وقال الترمذي: "حسن صحيح". فأثبت لها رواحًا وغدوًّا لطلب الرزق، مع توكلها على اللَّه ﷿ وهو المسخر المسير المسبب. ﴿وَإِلَيهِ النُّشُورُ﴾، أي: المرجع يوم القيامة.

قال ابن عباس ومجاهد، وقتادة والسدي: ﴿مَنَاكِبِهَا﴾ أطرافها وفجاجها ونواحيها. وقال ابن عباس وقتادة: ﴿مَنَاكِبِهَا﴾ الجبال.

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا عمرو بن حكام [٧] الأزدي، حدثنا شعبة، عن قتادة، عن يونس بن جبير، عن بشير بن كعب: أنه قرأ هذه الآية: ﴿فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا﴾ فقال لأم ولد له: إن علمت ما [٨] ﴿مَنَاكِبِهَا﴾ فأنت عتيقة. فقالت: هي


(١٢) المسند (١/ ٣٠) (٢٠٥). والترمذي في كتاب: الزهد، كتاب: في التوكل على اللَّه، حديث (٢٣٤٥) (٧/ ٩٢). والنسائي في الكبرى في كتاب: الرقائق كما في تحفة الأشراف للمزي (٨/ ٧٩) (١٠٥٨٦). وابن ماجة في كتاب: الزهد، باب: التوكل واليقين، حديث (٤١٦٤) (٢/ ١٣٩٤). وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم (٣١٠).