للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقوله: ﴿وَمَا يَسْطُرُونَ﴾، أي: يكتبون، كما تقدم.

وقوله: ﴿مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ﴾، أي: لست -وللَّه الحمد- بمجنون كما قد [١] يقوله الجهلة من قومك، والمكذبون بما جئتهم به من الهدى والحق المبين، فنسبوك فيه إلى الجنون، ﴿وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيرَ مَمْنُونٍ﴾، أي: بل لك الأجر العيم، والثواب الجزل الذي لا ينقطع ولا يبيد، على إبلاغك رسالة ربك إلى الخلق، وصبرك على أذاهم.

ومعنى ﴿غَيرَ مَمْنُونٍ﴾ أي: غير مقطوع كقوله: ﴿عَطَاءً غَيرَ مَجْذُوذٍ﴾.

[﴿فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيرُ مَمْنُونٍ﴾ أي غير مقطوع عنهم. وقال مجاهد: ﴿غَيرَ مَمْنُونٍ﴾] [٢] أي غير محسوب وهو رجع إلى ما قلناه.

وقوله: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾، قال العوفي، عن ابن عباس: أي وإنك لعلى دين عظيم، وهو الإسلام. وكذلك قال مجاهد، وأبو مالك، والسدي، والربيع بن أنس، والضحاك، وابن زيد.

وقال عطية: لعلى أدب عظيم. وقال معمر، عن قتادة: سُئلت عائشةُ عن خلق رسول اللَّه قالت: كان خلقه القرآن، تقول [٣]: كما هو في القرآن. وقال سعيد بن أبي عَرُوبة عن قتادة قوله: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾، ذُكر لنا أن سعد [٤] بن هشام سأل عائشة عن خلق رسول اللَّه فقالت: ألست تقرأ القرآن؟ قال: بلى. قالت: فإن خلق رسول اللَّه كان القرآن (١١).

وقال عبد الرزاق (١٢) عن معمر، عن قتادة، عن زرارة بن أوفى، عن سعد بن هشام؛ قال: سألت عائشة فقلت: أخبريني يا أم المؤمنين؟ عن خُلُق رسول اللَّه . فقالت: أتقرأ القرآن؟ قلت: نعم. فقالت: كان خلقه القرآن.

هذا حديث طويل، وقد رواه الإمام مسلم (١٣) في صحيحه، من حديث قتادة بطوله، وسيأتي في "سورة المزمل" إن شاء اللَّه تعالى.


(١١) تفسير الطبري (٢٩/ ١٩)، وأحمد (٦/ ٩٤) (٢٤٧٤٨) كلاهما من طريق قتادة، وهو عند مسلم وسيأتي قريبًا بإذن اللَّه.
(١٢) وأخرجه أحمد (٦/ ١٦٣) (٢٥٤٠٩) من طريق عبد الرزاق.
(١٣) صحيح مسلم في كتاب: صلاة المسافرين، كتاب: جامع صلاة الليل، ومن نام عنه أو مرض، حديث (١٣٩ - ١٤٢/ ٧٤٦) (٦/ ٣٧ - ٤٢).