﴿حُسُومًا﴾ متتابعات. وعن عكرمة، والربيع بن خثيم: مشائيم عليهم، كقوله: ﴿فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ﴾ قال الربيع: كان أولها الجمعة. وقال غيره: الأربعاء. ويقال: إنها التي تسميها الناس: الأعجاز، كأن الناس أخذوا ذلك من قوله تعالى: ﴿فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاويَةٍ﴾ ". وقيل: لأنها تكون في عجز الشتاء، ويقال: أيام العجوز؛ لأن من قوم عادٍ دخلت سربًا فقتلها الريح في اليوم الثامن. حكاه البغوي والله أعلم. قال ابن عباس: ﴿خَاويَةٍ﴾: خربة. وقال غيره: بالية. أي جعلت الريح تضرب بأحدهم الأرض فيخر ميتًا على أم رأسه، فينشدخ رأسه، وتبقى جثته، كأنها قائمة النخلة إذا خرت بلا أغصان، وقد ثبت في الصحيحين: "نصرت بالصبا، وأهلكت عاد بالدبور".
قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا محمد بن يحيى بن الضريس العبدي، ثنا بن فضيل عن مسلم، عن مجاهد، عن ابن عمر قال: قال رسول الله ﷺ "ما فتح الله على عادٍ من الريح التي أهلكوا فيها إلا مثل موضع الخاتم، فمرت بأهل البادية بين السماء والأرض، فلما رأى ذلك أهل الحاضرة من عادٍ من الريح وما فيها قالوا: هذا عارض ممطرنا. فألقت أهل البادية ومواشيهم على أهل الحاضرة". وقال الثوري: عن ليث، عن مجاهد: الريح لها جناحان وذنب.
﴿فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ﴾ أي هل تحس منهم من أحدٍ من بقاياهم أو ممن ينتسب إليهم؟ بل بادوا عن آخرهم، ولم يجعل الله لهم خلفًا.
ثم قال تعالى: ﴿وَجَاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ﴾ قرئ بكسر القاف. أي: ومن عنده ممن في زمانه من أتباعه من كفار القبط. وقرأ آخرون بفتحها أي: ومن قبله من الأمم المشبهين له. وقوله: ﴿وَالْمُؤْتَفِكَاتُ﴾ وهم الأمم المكذبة بالرسل.
﴿بِالْخَاطِئَةِ﴾ أي بالفعلة الخاطئة وهي التكذيب بما أنزل الله.
[قال الربيع: ﴿بِالْخَاطِئَةِ﴾، أي: بالمعصية. وقال مجامد: بالخطايا؛ ولهذا قال: ﴿فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ﴾: وهذا جنس، أي: كُلٌ كذَّبَ رسول الله إليهم، كما قال: ﴿إِنْ كُلٌّ إلا كَذَّبَ الرُّسُلَ﴾ فحق وعيد، ومن كذب رسول الله فقد كذب بالجميع، كما قال: ﴿كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ﴾ ﴿كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ﴾، ﴿كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ﴾ وإنما جاء إلى كل أمة رسول واحد؛ ولهذا قال هاهنا: ﴿فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَابِيَةً﴾، أي: عظيمة شديدة أليمة.
قال مجاهد: ﴿رَابِيَةً﴾ شديد. وقال السدي: مهلكة، ثم قال الله تعالى: ﴿إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ﴾، أي: زاد على الحد بإذن الله، وارتفع على الوجود، قال ابن عباس وغيره: ﴿طَغَى الْمَاءُ﴾. كثر، وذلك بسبب دعوة نوح ﵇ على قومه حين كذبوه وخالفوه، فعبدوا غير الله، فاستجاب الله له وعَمَّ أهل الأرض بالطوفان إلا من كان مع نوح في السفينة،