للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فالناس كلهم من سلالة نوح وذريته.

قال ابن جرير (١): حدثنا ابن حميد، حدثنا مهران، عن أبي سنان سعيد بن سنان، عن غير واحد، عن علي بن أبي طالب؛ قال: لم تنزل قطرة من ماء إلا بكيل على يدي ملك. فلما كان يوم نوح أذن للماء دون الخزان، فطغى الماء على الخزان فخرج، فذلك قول الله: ﴿إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ﴾، ولم ينزل شيء من الريح إلا بكيل على يدي [١]، ملك، إلا يوم عاد، فإنه أذن لها دون الخزان، فخرجت، فذلك قوله: ﴿بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ﴾: عتت على الخزان.

ولهذا قال تعالى ممتنًّا على الناس: ﴿إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ﴾، وهي السفينة الجارية على وجه الماء ﴿لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً﴾ عاد الضمير على الجنس لدلالة المعنى [٢] عليه، أي: وأبقينا [٣] لكم من جنسها ما تركبون على تيار الماء في البحار، كما قال: ﴿وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ (١٢) لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ [٤] تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيتُمْ عَلَيهِ﴾ وقال تعالى: ﴿وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (٤١) وَخَلَقْنَا [٥] لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ﴾ وقال قتادة: أبقى الله السفينة حتى أدركها أوائل هذه الأمة، والأول أظهر؛ ولهذا قال: ﴿[و] [٦] وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ﴾ أي: وتفهم [٧] هذه النعمة وتذكرها [٨] أذن واعية.

قال ابن عباس: حافظة سامعة. وقال قتادة: ﴿أُذُنٌ وَاعِيَةٌ﴾: عقلت [٩] عن الله فانتفعت بما سمعت من كتاب الله. وقال الضحاك: ﴿وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ﴾: سمعنها أذن ووعت أي: من له سمع صحيح وعقل رجيح، وهذا عام في من فهم ووعى.

وقد قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زرعة الدمشقي، حدثنا العباس بن الوليد [بن صبح] [١٠] الدمشقي، حدثنا زيد بن يحيى، حدثنا علي بن حوشب، سمعت مكحولا؛ يقول: لما نزلت [١١] على رسول الله : ﴿﴿وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ﴾﴾، قال رسول الله: "سألت ربي أن يجعلها أذُنَ عَلِيِّ". فكان عَليّ يقول: ما سمعت من رسول الله شيئًا قط فنسيته.


(١) أسنده الطبري (٢٩/ ٥٤) من حديث سعيد بن جبير بنحوه.