للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال ابن عباس: ﴿وَاقِعٍ﴾: جاء ﴿لَيسَ لَهُ دَافِعٌ﴾، أي: لا دافع له إذا أراد الله كونه، ولهذا قال: ﴿مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ﴾، قال الثوري: عن الأعمش، عن رجل، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس في قوله: ﴿ذِي الْمَعَارِجِ﴾، قال: ذو الدرجات.

وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: ﴿ذِي الْمَعَارِجِ﴾ يعني: العلو والفواضل. وقال مجاهد: ﴿ذِي الْمَعَارِجِ﴾: معارج السماء. وقال قتادة: ذي الفواضل والنعم.

وقوله: ﴿تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيهِ﴾، قال عبد الرزاق: عن معمر، عن قتادة: ﴿تَعْرُجُ﴾: تصعد. وأما الروح فقال أبو صالح: هم خلق من خلق الله يشبهون الناس، وليسوا ناسًا.

قلت: ويحتمل أن يكون المراد به جبريل، ويكون من باب عطف الخاص على العام. ويحتمل أن يكون اسم جنس لأرواح بني آدم، فإنها إذا قبضت يُصعَد بها ابن السماء، كما دل عليه حديث البراء، وفي [١] الحديث الذي رواه الإمام أحمد، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجة، من حديث المنهال، عن زاذان، عن البراء مرَفوعًا (٢) الحديث بطوله في قبض الروح الطيبة، قال فيه: "فلا يزال يصعد بها من سماء إلى سماء حتى ينتهي بها إلى السماء السابعة". والله أعلم بصحته، فقد تكلم في بعض رواته، ولكنه مشهور، وله شاهد في حديث أبي هريرة (٣) فيما تقدم من رواية الإِمام أحمد والترمذي وابن ماجة، من طريق ابن أبي ذئب [٢]، عن محمد بن عمرو بن عطاء، عن سعيد بن يسار، عنه. وهذا إسناد رجاله على شرط الجماعة، وقد بسطا لفظه عند قوله تعالى: ﴿يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ﴾.

وقوله: ﴿فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ﴾ فيه أربعة أقوال. أحدها: أن المراد بذلك مسافة ما بين العرش العظيم إلى أسفل السافلين، وهو قرار الأرض السابعة، وذلك مسيرة خمسين ألف سنة، هذا ارتفاع العرش عن المركز [٣] الذي في وسط الأرض السابعة. وذلك اتساع العرش من قطر [إلى قطر] [٤] مسيرة خمسين ألف سنة، وأنه من ياقوتة حمراء، كما ذكره ابن أبي شيبة في كتاب [صفة العرش]. وقد قال ابن أبي حاتم عند هذه الآية:

حدثنا أحمد بن سلمة، حدثنا إسحاق بن إبراهيم، أخبرنا حكام، عن عُمَر بن معروف، عن ليث، عن مجاهد، عن ابن عباس، قوله: ﴿فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ


(٢) تقدم تخريجه في سورة إبراهيم آية: (٢٧) ﴿يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا … ﴾. الآية.
(٣) تقدم تخريجه في الموضع السابق.