للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بعض بعد ذلك، يقول: ﴿لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ﴾ وهذه الآية الكريمة كقوله: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ [١] اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ﴾، وكقوله: ﴿وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى﴾ وكقوله: ﴿فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَينَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ﴾. وكقوله: ﴿يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (٣٤) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (٣٥) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (٣٦) لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ﴾.

وقوله: ﴿يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ (١١) وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ (١٢) وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْويهِ (١٣) وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنْجِيهِ (١٤) كَلَّا﴾، أي: لا يقبل منه فداء ولو جاء بأهل الأرض وبأعز ما يجده من المال [٢]، ولو بملء الأرض ذهبًا، أو من ولده الذي كان في الدنيا حُشَاشة كبده، يودُّ يوم القيامة إذا رأى الأهوال أن يفتدي من عذاب الله به ولا يقبل منه. قال مجاهد والسدي: ﴿وَفَصِيلَتِهِ﴾: قبيلته وعشيرته. وقال عكرمة: فَخذه الذي هو منهم. وقال أشهب: عن مالك: ﴿وَفَصِيلَتِهِ﴾: أمه.

وقوله: ﴿كَلَّا إِنَّهَا لَظَى﴾، يصف النار وشدة حرها، ﴿نَزَّاعَةً لِلشَّوَى﴾، قال ابن عباس، ومجاهد: جلدة الرأس. وقال العوفي: عن ابن عباس: ﴿نَزَّاعَةً لِلشَّوَى﴾: الجلود والهام. وقال مجاهد: ما دون العظم من اللحم. وقال سعيد بن جبير: العصب. وقال أبو [٣] صالح: ﴿نَزَّاعَةً لِلشَّوَى﴾، يعني: أطراف اليدين والرجلين، وقال أيضًا: نزاعة لحم الساقين. وقال الحسن البصري، وثابت البناني: ﴿نَزَّاعَةً لِلشَّوَى﴾، أي: مكارم وجهه. وقال الحسن أيضًا: تحرق كل شيء فيه، ويبقى فؤاده يصيح. وقال قتادة: ﴿نَزَّاعَةً لِلشَّوَى﴾، أي: نزاعة لهامته ومكارم وَجْهه وخَلْقه وأطرافه. وقال الضحاك: تبري اللحم رالجلد عن العظم، حتى لا تترك منه شيئًا. وقال ابن زيد: الشوى: الآراب العظام.

فقوله: ﴿نَزَّاعَةً﴾ قال: تقطع [عظامه ثم جدد خلقهم وتبدل جلودهم] [٤].

وقوله: ﴿تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى (١٧) وَجَمَعَ فَأَوْعَى﴾، أي: تدعو النار إليها أبناءها الذين خلقهم الله لها، وقدر لهم أنهم في الدار الدنيا يعملون عملها، فتدعوهم يوم القيامة بلسان طَلق ذَلق، ثم تلتقطهم من بين أهل المحشر كما يلتقط الطير الحب، وذلك أنهم كما قال الله ﷿: كانوا ممن ﴿أَدْبَرَ وَتَوَلَّى﴾، أي: كذب بقلبه، وترك العمل بجوارحه ﴿وَجَمَعَ فَأَوْعَى﴾، أي: جمع المال بعضه على بعض فأرعاه، أي: أوكاه ومنع حق الله منه من


[١]- في ز: الذين آمنوا.
[٢]- في ز: مال.
[٣]- في ز، خ: ابن.
[٤]- في ز: عظامهم ثم تبدل جلودهم وخلقهم وتبدل جلودهم.