﴿وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ﴾: قال ابن جريج عن ابن عباس: تنكروا له لئلا يعرفهم. وقال سعيد بن جبير والسدي: غطوا رءؤسهم لئلا يسمعوا ما يقول:
﴿وَأَصَرُّوا﴾، أي: استمروا على ما هم فيه من الشرك والكفر العظيم الفظيع، ﴿وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا﴾، أي: واستنكفوا [١] عن اتباع الحق والانقياد له.
﴿ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا﴾، أي: جهرة بين [٢] الناس ﴿ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ﴾، أي: كلامًا ظاهرًا بصوت عال، ﴿وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا﴾، أي: فيما بيني وبينهم، فنوَّع عليهم الدعوة لتكون أنجع فيهم. ﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا﴾، أي: ارجعوا إليه، وارجعوا عما أنتم فيه، وتوبوا إليه من قريب، فإنه من تاب إليه تاب عليه، ولو كانت ذنوبه مهما كان في الكفر والشرك؟ ولهذا قال: ﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (١٠) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيكُمْ مِدْرَارًا﴾، أي: متواصلة الأمطار، ولهذا يستحب قراءة هذه السورة في صلاة الاستسقاء؛ لأجل هذه الآية. وهكذا روي عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب (٢) أنه صعد المنبر ليستسقي، فلم يزد على الاستغفار، وقرأ الآيات في الاستغفار، ومنها هذه الآية: ﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (١٠) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيكُمْ مِدْرَارًا﴾ ثم قال: لقد طلبت الغيث بمجاديح [٣] السماء التي يستنزل بها المطر. وقال ابن عباس وغيره: يتبع بعضه بعضًا.
وقوله: ﴿وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا﴾، أي: إذا تبتم إلى الله واستغفرتموه وأطعتموه، كثر الرزق عليكم، وأسقاكم من بركات السماء، وأنبت لكم من بركات الأرض، وأنبت لكم الزرع، وأدرّ لكم [٤] الضرع، وأمدكم بأموال وبنين، أي: أعطاكم الأموال والأولاد، وجعل لكم جنات فيها أنواع الثمار، وخللها بالأنهار الجارية بينها.
هذا مقام الدعوة بالترغيب. ثم عدل بهم إلى دعوتهم بالترهيب فقال: ﴿مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا﴾، أي: عظمة. قاله ابن عباس، ومجاهد، والضحاك. وقال ابن عباس: لا تعظمون الله حق عظمته، أي: لا تخافون من بأسه ونقمته، ﴿وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا﴾، قيل: معناه من نطفة، ثم من علقة، ثم من مضغة. قاله ابن عباس، وعكرمة، وقتادة، ويحيى ابن رافع، والسدي، وابن زيد.
وقوله: ﴿أَلَمْ تَرَوْا كَيفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا﴾، أي: واحدة فوق واحدة، وهل هذا يتلقى من جهة السمع فقط؟ أو هو من الأمور المدركة بالحس، مما علم من التسيير
(٢) ذكره المصنف في "البداية والنهاية" (٧/ ١٠٥) وعزاه لابن أبي الدنيا من طريق إسحاق بن إسماعيل عن سفيان عن مطرف بن طريف عن الشعبي قال: خرج عمر يستسقى … فذكره.