للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الشياطين عن مقاعدها التي كانت تقعد فيها قبل ذلك، لئلا يسترقوا شيئًا من القرآن فيلقوه على ألسنة الكهنة، فيلتبس الآمر ويختلط ولا يدرى من الصادق، و [١] هذا من لطف الله بخلقه، ورحمته بعباده، وحفظه لكتابه العزيز؛ ولهذا قالت الجن: ﴿وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا (٨) وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا﴾ [أي: من يوم أن يسترق السمع اليوم يجد له شهابًا مرصدًا] [٢] له، لا يتخطاه ولا يتعداه، بل يمحقه ويهلكه، ﴿وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا﴾، أي: ما ندري [٣] هذا الأمر الذي قد حدث في السماء، لا ندري أشر أريد بمن في الأرض، أم أراد بهم ربهم رشدًا؟ وهذا من أدبهم في العبارة حيث أسندوا الشر إلى غير فاعل، والخير أضافوه إلى الله ﷿.

وقد ورد في الصحيح (٢): " والشر ليس إليك". وقد كانت الكواكب يرمى بها قبل ذلك، ولكن ليس بكثير به. في الأحيان بعد الأحيان، كما في حديث [ابن عباس] [٤] (٣): ينما نحن جلوس مع رسول الله إذا رمي بنجم فاستنار، فقال: "ما كنتم تقولون في هذا؟ " فقلنا: كنا نقول: يولد عظّم، يموت عظّم. فقال: "ليس كذلك، ولكن الله إذا قضى الأمر في السماء … ". وذكر تمام الحديث.

وقد أوردناه في "سورة سبأ" بتمامه. وهذا هو السبب الذي حَمَلهم على تطلب السبب في ذلك، فأخذوا يضربون مشارق الأرض ومغاربها، فوجدوا رسول الله يقرأ بأصحابه في الصلاة فعرفوا أن هذا هو الذي حُفظت من أجله السماء، فآمن من آمن منهم، وتمرد في طغيانه من بقى، كما تقدم في [٥] حديث ابن عباس في ذلك، عند قوله في "سورة الأحقاف": ﴿وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ … ﴾. الآية.

ولا شك أنه لما حدث هذا الأمر، وهو كثرة الشهب في السماء والرمي بها، هال ذلك الإنس والجن، وانزعجوا له وارتاعوا لذلك، وظنوا أن ذلك لخراب العالم، كما قال السدي: لم تكن السماء تحرس إلا أن يكون في الأرض نبي أو دين لله ظاهر، وكانت الشياطين قبل


= فذكره، قال ابن عدي: إسحاق بن الحارث الكوفي، قال البخاري يتكلمون فيه، وفيه نظر. قال: وضعف أحمدُ عبدَ الرحمن بن إسحاق. ا هـ. قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (٧/ ١٣٢): وفيه عبد الرحمن بن إسحاق الكوفي وهو ضعيف.
(٢) أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين، حديث (٢٠١/ ٧٧١) (٦/ ٨٢ - ٨٦).
(٣) تقدم تخريجه في تفسير سورة سبأ آية: ٢٣.