للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذا قول ثالث، وهو مَروي عن ابن عباس، ومجاهد، وسعيد بن جبير، وقول ابن زيد، واختيار ابن جرير، وهو الأظهر لقوله بعده: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا﴾، أي: قال لهم الرسول، لما آذوه وخالفوه وكذبوه وتظاهروا عليه، ليبطلوا ما جاء به من الحق، واجتمعوا على عداوته: ﴿إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي﴾، أي: إنما أعبد ربي وحده لا شريك له، وأستجير به وأتوكل عليه، ﴿وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا﴾.

وقوله: ﴿قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا﴾، أي: إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي وعبد من عباد الله ليس إليّ من الأمر شيء في هدايتكم ولا غوايتكم، بل المرجع في ذلك كله إلى الله ﷿.

ثم أخبر عن نفسه أيضًا أنه لا يجيره من الله أحد، أي: لو عصيته فإنه لا يقدر أحد على إنقاذي من عذابه، ﴿وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا﴾، [قال مجاهد، وقتادة، والسدي: لا ملجأ. وقال قتادة أيضًا: ﴿قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا﴾،] [١] أي: لا نصير ولا ملجأ. وفي رواية: لا وليّ ومَوْئِلَ.

وقوله تعالى: ﴿إلا بَلَاغًا مِنَ اللَّهِ وَرِسَالاتِهِ﴾، قال بعضهم: هو مستثنى من قوله: ﴿لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا﴾ … ﴿إلا بَلَاغًا﴾، ويحتمل أن يكون استثناء من قوله: ﴿لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ﴾، أي: لا يجيرني منه ويخلصني إلا إبلاغي الرسالة التي أوجب أداءها عليّ، كما قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾.

وقوله: ﴿وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا﴾ أي: إنما أبلغكم رسالة الله فمن يعص بعد ذلك فله جزاء على ذلك نارُ جهنم خالدين فيها إذا، لا محيد لهم عنها، ولا خروج لهم منها.

وقوله: ﴿حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِرًا وَأَقَلُّ عَدَدًا﴾، أي: حتى إذا رأى هؤلاء المشركون من الجن والإنس ما يوعدون يوم القيامة، فسيعلمون يومئذ من أضعف ناصرًا وأقل عددًا، هم أم المؤمنون الموحدون لله ﷿ أي: بل المشركون لا ناصر لهم بالكلية، وهم أقل عددًا من جنود الله ﷿.

﴿قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَدًا (٢٥) عَالِمُ الْغَيبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيبِهِ أَحَدًا (٢٦) إلا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَينِ


[١]- سقط من ز، خ.