جبير في قوله: ﴿عَالِمُ الْغَيبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيبِهِ أَحَدًا (٢٦) إلا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَينِ يَدَيهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا﴾، قال: أربعة حفظة من الملائكة مع جبريل، ﴿لِيَعْلَمَ﴾ محمَّد ﷺ ﴿أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيءٍ عَدَدًا﴾.
ورواد ابن أبي حاتم من حديث يعقوب القمي [١] به. وهكذا رواه الضحاك، والسدي، ويزيد بن أبي حبيب. وقال عبد الرزاق عن معمر، عن قتادة: ﴿لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالاتِ رَبِّهِمْ﴾، قال: ليعلم نبي الله أن الرسل قد بلغت عن الله، وأن الملائكة حفظتها ودفعت [٢] عنها [٣].
وكذا رواه سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة. واختاره ابن جرير. وقيل غير ذلك، كما رواه العَوفي عن ابن عباس (١٧) في قوله: ﴿إلا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَينِ يَدَيهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا﴾، قال: هي معقبات من الملائكة يحفظون النبي من الشيطان، حتى يتبين الذي [٤] أرسل به [٥] إليهم، وذلك حين يقول ليعلم أهل الشرك أن قد أبلغوا رسالات ربهم.
وكذا قال ابن أبي نجيح، عن مجاهد: ﴿لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالاتِ رَبِّهِمْ﴾، قال: ليعلم من كذب الرسل أن قد أبلغوا رسالات ربهم. وفي هذا نظر.
وقال البغوي: قرأ يعقوب: ﴿لِيَعْلَمَ﴾ بالضم، أي: ليعلم الناس أن الرسل قد بَلَّغوا.
ويحتمل أن كون الضمير عائدًا إلى الله ﷿ وهو قول حكاه ابن الجوزي في "زاد المسير" ويكون المعنى في ذلك أنه يحفظ رسله بملائكته؛ ليتمكنوا من أداء رسالاته، ويحفظ ما بُيِّن إليهم من الوحي، ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم، ويكون ذلك كقوله: ﴿وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيهَا إلا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيهِ﴾ وكقوله: ﴿وَلَيَعْلَمَنَّ [٦] اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ﴾، إلى أمثال ذلك، مع العلم لأنه تعالى يعلم الأشياء قبل كونها قطعًا لا محالة ولهذا قال بعد هذا: ﴿وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيءٍ عَدَدًا﴾.