هذا تعليم من الله ﷿ لرسوله ﷺ في كيفية تلقيه الوحي من الملك، فإنه كان يبادر إلى أخذه ويسابقُ [١] المَكَ في قراءته، فأمره الله ﷿ إذا جاءه الملك بالوحي أن يستمع له، وتكفل له أن يجمعه في صدره، وأن ييسره لأدائه على الوجه الذي ألقاه إليه، وأن يبينه له ويفسره ويوضحه.
ولهذا قال: ﴿لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ﴾، أي: بالقرآن، كما قال: ﴿وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾.
ثم قال: ﴿إِنَّ عَلَينَا جَمْعَهُ﴾، أي: في صدرك، ﴿وَقُرْآنَهُ﴾، أي: أن [٢] تقرأه، ﴿فَإِذَا قَرَأْنَاهُ﴾، أي: إذا تلاه عليك الملك عن الله ﷿ ﴿فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ﴾، أي: فاستمع له ثم اقرأه كما أقرأك، ﴿ثُمَّ إِنَّ عَلَينَا بَيَانَهُ﴾، أي: بعد حفظه وتلاوته نبينه لك ونوضحه، ونلهمك معناه على ما أردنا وشرعنا.
وقال الإمام أحمد (٤): حدثنا عبد الرحمن، عن أبي عوانة، عن موسى بن أبي عائشة، عن سعيد بن جُبَير، عن ابن عباس؛ قال: كان رسول الله ﷺ يعالج من التنزيل شدة، فكان [٣] يحرك شفتيه، قال: فقال لي ابن عباس: أنا أحرك شفتي كما كان رسول الله ﷺ يحرك شفتيه.
وقال لي سعيد: وأنا أحرك شفتي كما رأيت ابن عباس يحرك شفتيه، فأنزل الله ﷿: ﴿لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (١٦) إِنَّ عَلَينَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ﴾، قال: جمعه في صدرك، ثم تقرؤه، ﴿فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ﴾: فاستمع [٤] له وأنصت، ﴿ثُمَّ إِنَّ عَلَينَا بَيَانَهُ﴾. فكان بعد ذلك