للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقاله ابن جرير وغير واحد. وهذا أبلغ في الاعتناء والشرف والكرامة. وقال العوفي، عن ابن عباس: ﴿قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا﴾، قدرت للكف.

وهكذا قال الربيع بن أنس. وقال الضحاك على قدر أكُفّ الخُدام. وهذا لا ينافي القول الأول، فإنها مقدرة في القَدْر والري [١].

وقوله: ﴿وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلًا﴾ أي: ويسقون -يعني الأبرار أيضًا- في هذه الأكواب ﴿كَأْسًا﴾، أي: خمرًا، ﴿كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلًا﴾، فتارة يمزَج لهم الشراب بالكافور وهو بارد، وتارة بالزنجبيل وهو حار، ليعتدل الأمر، وهؤلاء يمزج لهم من هذا تارة ومن هذا تارة.

وأما المقربون فإنهم يشربون من كل منهما صِرفًا، كما قاله قتادة وغير واحد. وقد تقدم قوله: ﴿عَينًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ﴾، وقال ها هنا: ﴿عَينًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا﴾ أي: الزنجبيل عين في الجنة تسمى سلسبيلا.

قال عكرمة: اسم عين في الجنة. وقال مجاهد: سميت بذلك لسلاسة سيلها وحِدّة جَريها.

وقال قتادة: ﴿عَينًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا﴾: عين سَلِسَة مُستَقِيد ماؤها.

وحكى ابنُ جرير عن بعضهم أنها سميت بذلك لسلاستها في الحلق. واختار هو أنها تَعُم ذلك كله، وهو كما قال:

وقوله تعالى: ﴿وَيَطُوفُ عَلَيهِمْ ولْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا﴾، أي: يطوف على أهل الجنة للخدْمَة ولدان من ولدان الجنة ﴿مُخَلَّدُونَ﴾، أي: على حالة واحدة مُخَلَّدون عليها، لا يتغيرون عنها، لا تزيد أعمارهم عن تلك السنن. ومن فسرهم بأنهم مُخَرّصُونَ في آذانهم الأقرطة، فإنما عبر عن المعنى بذلك؛ لأن الصغير هو الذي يليق له ذلك دون الكبير.

وقوله: ﴿إِذَا رَأَيتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا﴾، أي: إذا رأيتهم في انتشارهم في قضاء حوائج السادة، وكثرتهم، وصباحة وجوههم، وحُسن ألوانهم وثيابهم وحليهم، حسبتهم لؤلؤا منثورًا. ولا يكون في التشبيه أحسن من هذا، ولا في المنظر أحسن من اللؤلؤ المنثور على المكان الحسن.

قال قتادة، عن أبي أورب، عن عبد الله بن عمرو: ما من أهل الجنة من أحد إلا يسعى عليه ألف خادم، كل خادم على عمل ما عليه صاحبه.


[١]- في ز: والذي.