للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقوله: ﴿وَإِذَا رَأَيتَ﴾، أي: وإذا رأيت يا محمَّد ﴿ثَمَّ﴾، أي: هناك، يعني في الجنة ونعيمها وَسَعَتها وارتفاعها وما فيها من الحَبرَة والسرور، ﴿رَأَيتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا﴾، أي: مملكة لله هُناك عظيمةً وسلطانًا باهرًا.

وثبت في الصحيح (١٤) أن الله تعالى يقول لآخر أهل النار خروجًا منها، وآخر أهل الجنة دخولا إليها: إن لك مثلَ الدنيا وعشرة أمثالها.

وقد قَدمنا في الحديث المَروي من طريق ثُوَير بن أبي فاختة، عن ابن عمر (١٥) قال: قال رسول الله : "إن أدنى أهل الجنة منزلة لمن [١] ينظر في ملكة مسيرة ألفي سنة ينظر إلى [٢] أقصاه كما ينظر إلى [٣] أدناه" باذا كان هذا عطاؤه تعالى لأدنى من يكون في الجنة، فما ظنك بما هو أعلى منزلة، وأحظى عنده تعالى.

وقد روى الطبراني (١٦) ها هنا حديثًا غَريبا جدًّا فقال: حدثنا علي بن عبد العزيز، حدثنا محمَّد بن عمار الموصلي، حدثنا عقبة [٤] بن سالم، عن أيوب بن عتبة، عن عطاء، عن ابن عمر قال: جاء رجل من الحبشة إلى رسول الله فقال له رسول الله: "سل واستفهم". فقال: يا رسول الله، فُضّلْتُم علينا بالصور والألوان والنبوة، أفرأيت إن آمنتُ بما آمنت به وعملتُ بمثل ما عملتَ به، إني لكائن معكَ في الجنة؟ قال: "نعم والذي نفسي بيده إنه لَيُرَى بياض الأسود في الجنة من مسيرة ألف عام" ثم قال رسول الله : فمن قال: لا إله إلا الله، كان له بها عَهد عند الله، ومن قال: سبحان الله وبحمده، كتب له مائة ألف حسنة، وأربعة وعشرون ألف حسنة". فقال رجل: كيف نهلك بعد هذا يا رسول الله؟ فقال رسول الله : "إن الرجل ليأتى يوم القيامة بالعمل لو وُضِعَ على جبل لأثقله، فتقوم النعمة -أو: نعَم الله فتكاد تستنفد ذلك كله، إلا أن يَتَغَمده الله برحمته" ونزلت هذه السورة: ﴿هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ﴾ إلى قوله: ﴿وَمُلْكًا كَبِيرًا﴾ فقال الحبشي: وإن عيني لترى ما ترى عيناك في الجنة؟ قال: "نعم". فاستبكى حتى فاضت نفسه. قال ابن عمر: فَلَقد رأيت رسول الله يُدليه في


(١٤) أخرجه مسلم في كتاب: الإيمان، باب: أدنى أهل الجنة منزلة فيها، حديث (٣١١/ ١٨٨) (٣/ ٥٣ - ٥٤). من حديث أبي سعيد الخدري .
(١٥) تقدم تخريجه في تفسير سورة القيامة، آية: ٢٣، برقم (١٣).
(١٦) المعجم الكبير (١٢/ ٤٣٦ - ٤٣٧) (١٣٥٩٥). قال الهيثمي في "المجمع" (١٠/ ٤٢٣): وفيه أيوب بن عتبة وهو ضعيف. ا هـ.