وقوله: ﴿ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ﴾، أي: الكائن لا محالة، ﴿فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ آبًا﴾، أي: مرجعًا وطريقًا يهتدي إليه ومنهجًا يمر به عليه.
وقوله: ﴿إِنَّا أَنْذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا﴾ يعني: يوم القيامة لتأكد وقوعه صار قريبًا، لأن كل ما هو آت آت.
﴿يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ﴾، أي: يعرض عليه جميع أعماله، خيرها وشرها، قديمها وحديثها، كقوله: ﴿وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا﴾، وكقوله: ﴿يُنَبَّأُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ﴾.
﴿وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَاليتَنِي كُنْتُ تُرَابًا﴾، أي: يود الكافر يومئذ أنه كان في الدار الدنيا ترابًا، ولم يكن خُلِقَ، ولا خرج إلى الوجود، وذلك [حين عاين][١] عذابَ الله، ونظر إلى أعماله الفاسدة، قد سُطرت عليه بأيدي الملائكة السفَرة الكرام البَرَرة.
وقيل: إنما ورد ذلك حين يحكم الله بين الحيوانات التي كانت في الدنيا، فيفصل بينها بحكمه [٢] العدل الذي لا يجور، حتى إنه ليقتص للشاة الجمَّاء من القرناء. فإذا فرغ من الحكم بينها قال لها: كوني ترابًا؛ فتصير ترابًا، فعند ذلك يقول الكافر: ﴿يَاليتَنِي كُنْتُ تُرَابًا﴾، أي: كنت حيوانا فأرجع إلى التراب. وقد ورد معنى هذا في حديث الصور المشهور (١٧)، وورد في آثار عن أبي هريرة و [عن][٣] عبد الله بن عمرو وغيرهم.
[آخر تفسير سورة "عم"].
* * *
(١٧) أخرجه البيهقي في "البعث والنشور" (ص ٣٣٦ - ٣٤٤) (٦٠٩) وقد تقدم تخريجه مطولًا.