للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

﴿عُطِّلَتْ﴾: تركت و [١] سُيِّبت.

وقال أبي بن كعب والضحاك: أهملها أهلها. وقال الربيع بن خثيم: لم تحلب ولم تصرّ، تخلى منها أربابها. وقال الضحاك أيضًا [٢]: تركت لا راعي لها.

والمعنى في هذا كله متقارب. والمقصود أن العشار من الإِبل -وهي: خيارها والحوامل منها التي قد وصلت في حملها إلى الشهر العاشر، واحدها: عشراء، ولا يزال ذلك اسمها حتى تضع- قد اشتغل الناس عنها وعن كفالتها والانتفاع بها، بعد ما كانوا أرغب شيء فيها، بما دهمهم من الأمر العظيم المفظع الهائل، وهو أمر القيامة وانعقاد أسبابها، ووقوع مقدماتها.

وقيل: بل [٣] يكون ذلك يوم القيامة يراها أصحابها كذلك ولا سبيل لهم إليها، وقد قيل في العشار: إنها السحاب يعطل عن المسير بين السماء والأرض، لخراب الدنيا، وقيل: إنها الأرض التي تعشر. وقيل: إنها الديار التي كانت [٤] تسكن تعطل لذهاب أهلها، حكى هذه الأقوال كلها الإمام أبو عبد الله القرطبي في كتابه "التذكرة"، ورجح أنها الإِبل، وعزاه إلي أكثر الناس. قلتَ: بل لا يعرف عن السلف والأئمة سواه، والله أعلم.

وقوله. ﴿وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ﴾ أي: جمعت. كما قال تعالى: ﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيهِ إلا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ﴾ - قال ابن عباس: يحشر كل شيء حتى الذباب [٥]. رواه ابن أبيِ حاتم. وكذا قال الربيع بن خثيم والسدي، وغير واحد. وكذا قال قتادة في تفسير هذه الآية: إن هذه [الخلائق موافية [٦] فيقضي] [٧] الله فيها ما يشاء.

وقال عكرمة: حشرها موتها.

وقال ابن جرير (١٠): حدثني علي [بن مسلم] [٨] الطوسي، حدثنا عباد بن العوام، أخبرنا حصين، عن عكرمة، عن ابن عباس في قوله: ﴿وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ﴾، قال: حشر البهائم موتها، وحشر كل شيء الموت غير الجن والإنس؛ فإنهما يوقفان يوم القيامة.

حدثنا أبو كريب (١١)، حدثنا وكيع، عن سفيان، عن أبيه، عن أبي يعلى، عن الربيع بن


(١٠) تفسير الطبري (٣٠/ ٦٧).
(١١) تفسير الطبري (٣٠/ ٦٧).