للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أنهما تذاكرا هذه الآية: ﴿فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ (١٥) الْجَوَارِ الْكُنَّسِ (١٦)﴾، فقال إبراهيم لمجاهد: قل فيها بما سمعت. قال: فقال مجاهد: كنا [١] نسمع فيها شيئًا، وناس يقولون: إنها النجوم. قال: فقال إبراهيم: قل فيها بما سمعت. قال: فقال مجاهد: كنا نسمع أنها بقر الوحش حين تكنس في حجرتها. قال: فقال إبراهيم: إنهم يكذبون على عليّ، هذا كما رووا عن علي أنه ضمن الأسفل الأعلى، والأعلى الأسفل.

وتوقف ابن جرير في قوله: ﴿الْخُنَّسِ (١٥) الْجَوَارِ الْكُنَّسِ﴾: هل هو النجوم، أو الظباء وبقر الوحش؟ قال: ويحتمل أن يكون الجميع مرادًا.

وقوله: ﴿وَاللَّيلِ إِذَا عَسْعَسَ﴾ فيه قولان:

أحدهما: إقباله بظلامه. قال مجاهد: أظلم. وقال سعيد بن جبير: إذا نشأ. وقال الحسن البصري: إذا غشي [٢] الناس. وكذا قال عطية العوفي.

وقال علي بن أبي طلحة، والعوفي عن ابن عباس: ﴿إِذَا عَسْعَسَ﴾: إذا أدبر. وكذا قال مجاهد، وقتادة، والضحاك، وكذا قال زيد بن أسلم، وابنه عبد الرحمن: ﴿إِذَا عَسْعَسَ﴾، أي: إذا ذهب فتولى.

وقال أبو داود الطيالسي (٣١): حدثنا شعبة، عن عمرو بن مرة، عن أبي البَخْتَري سمع أبا عبد الرحمن السلمي؛ قال: خرج علينا علي حين ثَوَّب المثوِّبُ بصلاة الصبح فقال: أين السائلون عن الوتر: ﴿وَاللَّيلِ إِذَا عَسْعَسَ (١٧) وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ (١٨)﴾ هذا حين أدبر [٣] حسن. وقد اختار ابن جرير أن المراد بقوله: ﴿إِذَا عَسْعَسَ﴾: إذا أدبر. قال: لقوله: ﴿وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ﴾، أي: أضاء، واستشهد بقول الشاعر أيضًا:

حتى إذا الصبح له تنفسا … وانجاب عنها ليلها وعسعسا

أي: أدبر. وعندي أن المراد بقوله. ﴿عسعس﴾: إذا أقبل، وإن كان يصح استعماله في الإِدبار، لكن الإِقبال هاهنا [٤] أنسب، كأنه أقسم تعالى بالليل وظلامه إذا أقبل، وبالفجر وضيائه إذا أشرق، كما قال: ﴿وَاللَّيلِ إِذَا يَغْشَى (١) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى﴾، وقال: [﴿وَالضُّحَى (١) وَاللَّيلِ إِذَا] [٥] سَجَى﴾، وقال: ﴿فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ [٦] اللَّيلَ سَكَنًا﴾، وغير ذلك من


(٣١) أخرجه أبو داود الطيالسي (ص ٢٥) (١٧٤) من طريق شعبة، عن أبي التياح، عن رجل من عنزة، عن رجل من بني أسد قال: خرج علينا على … الحديث. فذكره بنحوه.