للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حقهم بالوافي والزائد، ﴿وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ﴾، أي: ينقصون. والأحسن أن يجعل "كالوا" و "وزنوا" متعديًا، ويكون هم في محل نصب: ومنهم من يجعلها ضميرًا مؤكدًا للمستتر في قوله "كالوا" و "وزنوا"، ويحذف المفعول لدلالة الكلام عليه، وكلاهما متقارب.

وقد أمر الله تعالى بالوفاء في الكيل والميزان، فقال: ﴿وَأَوْفُوا الْكَيلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيرٌ وَأَحْسَنُ تَأْويلًا (٣٥)﴾ وقال: ﴿وَأَوْفُوا الْكَيلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إلا وُسْعَهَا﴾، وقال: ﴿وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ (٩)﴾ وأهلك الله قوم شعيب ودمرهم على ما كانوا يبخسون الناس في المكيال والميزان.

ثم قال تعالى متوعدًا لهم: ﴿أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ (٤) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ﴾، أي: أما يخاف أولئك من البعث والقيام بين يدي من يعلم السرائر والضمائر، في يومٍ عظيم الهول، كثير الفزع، جليل الخطب، من خسر فيه أدخل نارًا حامية!

وقوله: ﴿يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالمِينَ﴾ أي: يقومون حفاة عراة غرلًا، في [١] موقف صعب [٢] حرج ضيق ضنك على المجرم، ويغشاهم من أمر الله ما تعجز [٣] القوى والحواس عنه.

قال الإِمام مالك: عن نافع، عن ابن عمر أن النبي قال: " ﴿يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالمِينَ﴾ حتى يغيب أحدهم في رشحه إلى أنصاف أذنيه".

رواه البخاري (٣) من حديث مالك، و [٤] عبد الله بن عون كليهما عن نافع به. ورواه مسلم من الطريقين أيضًا. وكذلك رواه صالح وأيوب بن يحيى، وعبد الله وعبيد الله ابنا عمر، ومحمد بن إسحاق، عن نافع، عن ابن عمر به.

ولفظ الإِمام أحمد (٤): حدثنا يزيد، أخبرنا ابن إسحاق، عن نافع، عن ابن عمر: سمعت رسول الله يقول: " ﴿يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالمِينَ﴾: لعظمة الرحمن ﷿ يوم القيامة، حتى إن العرق ليلجم الرجال إلى أنصاف آذانهم".

حديث آخر، قال الإِمام أحمد (٥): حدثنا إبراهيم بن إسحاق، حدثنا ابن المبارك،


(٣) أخرجه البخاري في كتاب: التفسير، باب: يوم يقوم الناس لرب العالمين، حديث (٤٩٣٨) من طريق مالك، وفي كتاب: الرقاق حديث (٦٥٣١) من طريق ابن عون. ومسلم في كتاب: الجنة، باب: في صفة يوم القيامة، حديث (٦٠/ ٢٨٦٢) (١٧/ ٢٨٤ - ٢٨٥).
(٤) أخرجه أحمد (٢/ ٣١) (٤٨٦٢). وصححه أحمد شاكر.
(٥) أخرجه أحمد (٦/ ٣ - ٤) (٢٣٩٢٥). ومسلم في كتاب: الجنة، باب: في صفة يوم القيامة، حديث (٦٢/ ٢٨٦٤) (١٧/ ٢٨٥ - ٢٨٦). والترمذي في كتاب: صفة القيامة، باب: قرب الشمس من العباد يوم القيامة، حديث (٢٤٢٣) (٧/ ١٣٨).