للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فبعث به مع نفر في قرقور فقال: إذا لججتم به [١] البحر فإن رجع عن دينه وإلا فغرقوه في البحر. فلججوا به البحر فقال الغلام: اللَّهم، اكفنيهم بما شئت. فغرقوا أجمعون، وجاء الغلام حتى دخل على الملك فقال: ما فعل أصحابك؟ فقال: كفانيهم الله. ثم قال للملك: إنك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به، فإن أنت فعلت ما آمرك به قتلتني، وإلا فإنك لا تستطيع قتلي. قال: وما هو؟ قال: تجمع الناس في صعيد واحد ثم تصلبني على جذع، و [٢] تأخذ سهمًا من كنانتي ثم قل: باسم الله رب الغلام، فإنك إذا فعلت ذلك قتلتني. ففعل، ووضع السهم في كبد قوسه ثم رماه، وقال: باسم الله رب الغلام. فوقع السهم بن صدغه، فوضع الغلام يده على موضع السهم ومات، فقال الناس: آمنا برب الغلام. فقيل للملك: أرأيت ما كنت تحذر؟ فقد -والله- نزل بك، قد آمن الناس كلهم. فأمر بأفواه السكك فخدت فيها الأخاديد، وأضرمت فيها النيران، وقال: من رجع عن دينه فدعوه وإلا فأقحموه فيها. قال: فكانوا يتعادون فيها ويتدافعون [٣]، فجاءت امرأة بابن لها ترضعه، فكأنها تقاعست أن تقع في النار، فقال الصبي: اصبري يا أماه، فإنك على الحق.

وهكذا رواه مسلم (١٢) في آخر الصحيح عن هدبة بن خالد، عن حماد بن سلمة [به نحوه. ورواه النسائي عن أحمد بن سلمان، عن عفان، عن حماد بن سلمة] [٤] ومن طريق حماد بن زيد، كلاهما بين ثابت به، واختصروا أوله.

وقد جوده الإمام أبو عيسى الترمذي، فرواه (١٣) في تفسير هذه السورة عن محمود بن غيلان [٥] وعبد بن حميد -[المعنى واحد] [٦]- قالا: أخبرنا عبد الرزاق، عن معمر، عن ثابت البناني، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن صهيب قال: كان رسول الله إذا صلى العصر همس -والهمس في [قول بعضهم] [٧]: تحريك شفتيه كأنه يتكلم- فقيل له: إنك [٨]-يا رسول الله- إذا صليت العصر همست؟ قال: "إن نبيًّا من الأنبياء كان أعجب بأمته فقال: من يقوم لهؤلاء؟ فأوحى الله إليه أن خيرهم بين أن أنتقم منهم [٩]، وبين أن أسلط عليهم عدوهم. فاختاروا النقمة، فسلط عليهم الموت، فمات


(١٢) صحيح مسلم في كتاب: الزهد، باب: قصة أصحاب الأخدود. حديث (٧٣/ ٣٠٠٥) (١٨/ ١٧٧ - ١٨٠). والنسائي في الكبرى في كتاب: التفسير، باب: قتل أصحاب الأخدود، حديث (١١٦٦١) (٦/ ٥١٠ - ٥١٢) من طريق حماد بن سلمة.
(١٣) سنن الترمذي، كتاب: تفسير القرآن، باب: ومن سورة البروج، حديث (٣٣٣٧) (٩/ ٧١ - ٧٤).