للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فوثب القدح حتى خرج منها لم يضره شيء، فأخذه ثم أتى به صاحبه، فأخبره أنه قد علم الاسم الأعظم الذي كتمه فقال: وما هو؟ قال: هو كذا وكذا. قال: وكيف علمته؟ فأخبره بما صنع. قال: أي ابن أخي، قد أصبته فأمسك على نفسك، وما أظن أن تفعل.

فجعل عبد الله بن الثامر إذا دخل نجران لم يلق أحدًا به ضر إلا قال: يا عبد الله، أتوحد الله وتدخل في ديني وأدعو الله لك فيعافيك مما أنت فيه من البلاء؟ فيقول: نعم. فيوحد الله ويسلم، فيدعو الله له فيشفى، حتى لم يبق بنجران أحد به ضر إلا أتاه، فأتبعه على أمره ودعا الله [١] له فعوفي، حتى رفع شأنه إلى ملك نجران، فدعاه فقال له: أفسدت عليَّ أهل قريتي، وخالفت ديني وكان آبائي، لأمثلن بك. قال: لا تقدر على ذلك. قال: فجعل يرسل به إلى الجبل الطويل، فيطرح على رأسه، فيقع إلى الأرض ما به بأس، وجعل يبعث به إلى مياه بنجران، بحور لا يلقى فيها شيء إلا هلك، فيلقى به فيها، فيخرج ليس به بأس. فلما غلبه قال له عبد الله بن الثامر: إنكَ -والله- لا تقدر على قتلي حتى توحد الله فتؤمن بما آمنت به، فإنك إن فعلت سلطت عليَّ فقتلتني. قال: فوحد الله ذلك الملك، وشهد شهادة عبد الله بن الثامر، ثم ضربه بعصًا في يده فشجه شجة غير كبيرة، فقتله، وهلك الملك مكانه. واستجمع أهل نجران على دين عبد الله بن الثامر - وكان على ما جاء له عيسى ابن مريم من الإِنجيل وحكمه - ثم أصابهم ما أصاب أهل دينهم من الأحداث، فمن هنالك كان أصل دين النصرانية بنجران.

قال ابن إسحاق: فهذا حديث محمَّد بن كعب القرظي وبعضُ أهل نجران عن عبد الله بن الثامر، والله أعلم أي ذلك كان.

قال: فسار إليهم ذو نواس بجنده، فدعاهم إلى اليهودية، وخيرهم بين ذلك أو القتل، فاختاروا القتل، فخد الأخدود، فحرق بالنار وقتل بالسيف ومثل بهم، حتى قتل منهم قريبًا من عشرين ألفًا. ففي ذي نواس وجنده أنزل الله ﷿ على رسوله ﴿قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ (٤) النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ (٥) إِذْ هُمْ عَلَيهَا قُعُودٌ (٦) وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ (٧) وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إلا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (٨) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيءٍ شَهِيدٌ﴾.

هكذا ذكر محمَّد بن إسحاق في السيرة أن الذي قتل أصحاب الأخدود هو [٢] ذو نواس، واسمه: زرعة، وتسمى في زمان مملكته بيوسف، وهو ابن [تبان أسعد أبي كرب] [٣]، وهو تبع الذي غزا المدينة وكسى الكعبة، واستصحب معه حبرين من يهود المدينة، وكان [٤]


[١]- سقط من ت.
[٢]- سقط من ز، خ.
[٣]- في ز: "قبا أسعد بن كريب".
[٤]- في ت: فكان.