للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ابن الحارث بن مضاض هو آخر ملوك جرهم بمكة، لما أخرجتهم خزاعة وأجلوهم إلى اليمن، وهو القائل في شعره الذي قال ابن هشام: إنه أول شعر قاله العرب:

كَأن لَم يَكُن بين الحجون إلى الصّفا … أنيس، ولم يَسْمُر بمكَّةَ سَامرُ

بَلَى [١]، نَحنُ كُنَّا أهلَها فَأبادَنَا … صُروفُ اللَّيَالى والجدُود العَوَاثِرُ [٢]

وهذا يقتضي أن هذه القصة كانت قديمًا بعد زمان إسماعيل بقرب [٣] من خمسمائة سنة أو نحوها، وما ذكره ابن إسحاق يقتضي أن قصتهم [٤] كانت في زمان الفترة التي بين عيسى ومحمد - عليهما من الله السلام - وهو أشبه، والله أعلم.

وقد يحتمل أن ذلك قد [٥] وقع في العالم كثيرًا، كما قال ابن أبي حاتم:

حدثنا أبي، حدثنا أبو اليمان، أخبرنا صفوان، عن عبد الرحمن بن جبير؛ قال: كانت الأخدود في اليمن زمان تبع، وفي القسطنطنية زمان قسطنطين حين صرف النصارى قبلتهم عن دين المسيح والتوحيد، فاتخذوا أَتونًا [٦]، ولقي فيه النصارى الذين كانوا على دين المسيح والتوحيد. وفي العراق في أرض بابل بُخْتَنَصَّر، الذي وضع الصنم وأمر الناس أن يسجدوا له، فامتنع دانيال وصاحباه: عزم وميشائيل، فأوقد لهم أَتونًا وألقى فيه [٧] الحطب والنار، ثم ألقاهما فيه، فجعلها الله عليهما بردًا وسلامًا، وأنقذهما منها، وألقى فيها الذين بغوا عليه وهم تسعة وهي، فأكلتهم النار.

وقال أسباط، عن السدي في قوله: ﴿قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ﴾، قال: كانت [٨] الأخدود ثلاثة [٩]: خد بالعراق، وخد بالشام، وخد باليمن، رواه ابن أبي حاتم.

وعن مقاتل قال: كانت الأخدود ثلاثة: واحدة بنجران باليمن، والأخرى بالشام، والأخرى بفارس، أما التي بالشام فهو انطنانوس الرومي، وأما التي بفارس فهو بختنصر، وأما التي بأرض العرب فهو يوسف ذو نواس. فأما التي بفارس والشام فلم ينزل الله فيهم قرآنًا، وأنزل في التي كانت بنجران.

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا أحمد بن عبد الرحمن الدشتكي، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أنس، عن الربيع -هو ابن أنس- في قوله: ﴿قُتِلَ أَصْحَابُ


[١]- في ز: بل.
[٢]- في ز: الغواثر.
[٣]- في خ: بقريب.
[٤]- في ز: قضيتهم.
[٥]- سقط من ز.
[٦]- في ز: اتوتا. كذا.
[٧]- في ز: فيها.
[٨]- في ز: كان.
[٩]- في ز، خ: ثلاثة عشر.