الْأُخْدُودِ﴾، قال: سمعنا أنهم كانوا قومًا في زمان الفترة، فلما رأوا ما وقع في الناس من الفتنة والشر وصاروا أحزابًا، ﴿كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيهِمْ فَرِحُونَ﴾، اعتزلوا إلى قرية سكنوها، وأقاموا على عبادة الله ﴿مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ﴾، وكان هذا أمرهم حتى سمع بهم جبار من الجبارين، وحدث حديثهم، فأرسل إليهم فأمرهم أن يعبدوا الأوثان التي اتخذوا، وأنهم أبوا عليه كلهم، وقالوا: لا نعبد إلا الله وحده، لا شريك له. فقال لهم: إن لم تعبدوا هذه الآلهة التي عبدت فإني قاتلكم. فأبوا عليه، فخد أخدودًا من نار، وقال لهم الجبار -ووقفهم عليها- فقال [١]: اختاروا هذه أو [٢] الذي نحن فيه. فقالوا: هذه أحب إلينا. وفيهم نساء وذرية، ففزعت الذرية، فقالوا لهم: لا نار من بعد اليوم. فوقعوا فيها، فقبضت أرواحهم من قبل أن يمسهم حرها، وخرجت النار من مكانها فأحاطت بالجبارين، فأحرقهم الله بها، ففي ذلك أنزل الله ﷿: ﴿قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ (٤) النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ (٥) إِذْ هُمْ عَلَيهَا قُعُودٌ (٦) وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ (٧) وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إلا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (٨) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيءٍ شَهِيدٌ (٩)﴾.
ورواه ابن جرير (١٦): حُدّثت عن عمار، عن عبد الله بن أبي جعفر به نحوه.
وقوله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ﴾، أي: حرقوا. قاله ابن عباس، ومجاهد، وقتادة، والضحاك، وابن أبزى.
﴿ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا﴾ أي: لم يقلعوا عَمّا فعلوا، ويندموا على ما أسلفوا.
﴿فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ﴾، وذلك أن الجزاء من جنس العمل. قال الحسن البصري: انظروا إلى هذا الكرم والجود، قتلوا أولياءه وهو يدعوهم إلى التوبة والمغفرة.