للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأرضى خالقه.

ثم قال تعالى: ﴿بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا﴾، أي: تقدمونها على أمر الآخرة، وتبدونها على ما فيه نفعهم وصلاحهم في معاشهم ومعادهم، ﴿وَالْآخِرَةُ خَيرٌ وَأَبْقَى﴾، أي: ثواب الله في الدار الآخرة خير من الدنيا وأبقى، [فإن الدنيا] [١] دنية فانية، والآخرة شريفة باقية، فكيف يؤثر عاقل ما يفنى على ما يبقى، ويهتم بما يزول عنه قريبًا، ويترك الاهتمام بدار البقاء والخلد.

قال الإمام أحمد (٢٤): حدثنا حسين بن محمد، حدثنا ذويد عن أبي إسحاق، عن عروة، عن عائشة قالت: قال رسول الله : "الدنيا دار من لا دار له، ومال من لا مال له، ولها يجمع من لا عقل له".

وقال ابن جرير (٢٥): حدثنا ابن حميد، حدثنا يحيى بن واضح، حدثنا [٢] أبو حمزة، عن عطاء، عن عرفجة الثقفي قال: استقرأت ابن مسعود: ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى﴾ فلما بلغ: ﴿بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا﴾ ترك القراءة، وأقبل على أصحابه وقال [٣]: آثرنا الدنيا على الآخرة. فسكت القوم، فقال: آثرنا الدنيا لأنا رأينا زينتها ونساءها وطعامها وشرابها، وزويت عنا الآخرة فاخترنا هذا العاجل وتركنا الآجل.

وهذا منه على وجه التواضع والهضم، أو هو إخبار عن الجنس من حيث هو، والله أعلم.

و [قد] [٤] قال الإمام أحمد (٢٦): حدثنا سليمان بن داود الهاشمي، حدثنا إسماعيل بن جعفر، أخبرني عمرو بن أبي عمرو، عن المطلب بن عبد الله، عن أبي موسى الأشعري: أن رسول الله قال: "من أحب دنياه أضر بآخرته، ومن أحب أخرته أضر بدنياه، فآثروا ما يبقى [٥] على ما يفنى" تفرد به أحمد.


(٢٤) تقدم تخريجه في سورة الإسراء، آية (١٨). وفي سورة النجم، آية (٢٩).
(٢٥) أخرجه الطبري (٣٠/ ١٥٧).
(٢٦) أخرجه أحمد (٤/ ٤١٢) (١٩٧٥١). والحاكم (٤/ ٣٠٨، ٣١٩). والبغوي في شرح السنة (١٤/ ٢٣٨ - ١٣٩) حديث (٤٠٣٨). وابن حبان (٢/ ٤٨٦) حديث (٧٠٩). والبيهقي في الشعب (٧/ ٢٨٨) حديث (١٠٣٣٧). والقضاعي في مسند الشهاب (١/ ٢٥٨ - ٢٥٩). حديث (٤١٨). والبيهقي في الكبرى (٣/ ٣٧٠) كتاب الجنائز، باب: ما ينبغي لكل مسلم أن يستعمله من قصر الأمل والاستعداد للموت فإن الأمر قريب. كلهم من طريق عمرو بن أبي عمرو عن المطلب بن عبد الله بن حنطب عن أبي موسى … فذكره. قال الحاكم: حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه =