للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال مجاهد، وأبو العالية، وقتادة، ومالك، عن زيد بن أسلم وابن زيد: ﴿وَاللَّيلِ إِذَا يَسْرِ﴾: إذا سار.

وهذا يمكن [١] حمله على ما قال ابن عباس، أي: ذهب. ويحتمل أن يكون المراد إذا سار، أي: أقبل. وقد يقال: أن هذا أنسب، لأنه في مقابلة قوله: ﴿وَالْفَجْرِ﴾، فإن الفجر هو إقبال النهار وإدبار الليل، فإذا حمل قوله: ﴿وَاللَّيلِ إِذَا يَسْرِ﴾، على (قباله كان قسمًا بإقبال الليل وإدبار النهار. وبالعكس، كقوله: ﴿وَاللَّيلِ إِذَا عَسْعَسَ (١٧) وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ﴾. وكذا قال الضحاك: ﴿إِذَا يَسْرِ﴾ أي: يجري.

وقال عكرمة: ﴿وَاللَّيلِ إِذَا يَسْر﴾، يعني: ليلة جمع [٢]. رواه ابن جرير، وابن أبي حاتم.

ثم قال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن عصام، حدثنا أبو عامر، حدثنا كثير بن عبد الله بن عمرو قال: سمعت محمد بن كعب القرظي، يقول في قوله: ﴿وَاللَّيلِ إِذَا يَسْر﴾، قال: اسر يا سار [٣] ولا تبيتن إلا بجَمْع.

وقوله: ﴿هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ﴾، أي: لذي عقل ولب وحجًّا [٤]، وإنما سمى العقل حجْرًا لأنه يمنع الإنسان من [٥] تعاطى ما لا يليق به من الأفعال والأقوال، ومنه جر البيت لأنه يمنع الطائف من اللصوق بجداره الشامي. ومنه حجر اليمامة، وحَجَرَ الحاكم على فلان: إذا منعه التصرف، ﴿وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا﴾، كل هذا من قبيل واحد، ومعنى متقارب، وهذا القسم هو بأوقات العبادة، وبنفس العبادة من حج وصلاة وغير ذلك من أنواع القرب التي يتقرب بها المتقون المطيعون له، الخائفون منه، المتواضعون [٦] لديه، الخاشعون لوجهه الكريم.

ولما ذكر هؤلاء وعبادتهم وطاعتهم قال بعده: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ؟﴾، وهؤلاء كانوا متمردين عتاة جبارين، خارجين عن طاعته مكذبين لرسله، جاحدين لكتبه، فذكر تعالى كيف أهلكهم ودمرهم، وجعلهم أحاديث وعِبَرًا: فقال: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (٦) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ﴾: وهؤلاء عاد الأولى، وهم أولاد عاد بن إرم بن عوص بن سام بن نوح، قاله ابن إسحاق، وهم الذين بعث الله [٧] فيهم رسوله هودًا فكذبوه وخالفوه، فأنجاه الله من بين أظهرهم، ومن آمن معه منهم، وأهلكهم بريح صرصر


[١]- في ز: ممكن.
[٢]- في ز: أجمع.
[٣]- في ز: ساري.
[٤]- في خ: وحجار.
[٥]- في ز: عن.
[٦]- في خ: الخاضعون.
[٧]- سقط من ز.