للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عاتية، ﴿سَخَّرَهَا عَلَيهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاويَةٍ (٧) فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ﴾. وقد ذكر الله قصتهم في القرآن في غير ما موضع؛ ليعتبر بمصرعهم المؤمنون.

فقوله تعالى: ﴿إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ﴾: عطف بيان، زيادة تعريف بهم.

وقوله: ﴿إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ﴾ لأنهم كانوا يسكنون ييوت الشعر التي ترفع بالأعمدة الشداد، وقد كانوا أشد الناس في زمانهم خلقة وأقواهم بطشًا؛ ولهذا ذكرهم هود [١] بتلك النعمة، وأرشدهم إلى أن يستعملوها في طاعة ربهم الذي خلقهم، فقال: ﴿وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَال بُيُوتًا فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (٧٤)[الأعراف: ٧٤]. وقال تعالى: ﴿فَأَمَّا [٢] عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً﴾. وقال هاهنا: ﴿الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ﴾، أي: القبيلة التي لم يخلق مثلها في بلادهم، لقوتهم وشدتهم وعظم تركيبهم.

قال مجاهد: ارم: أمة قديمة. يعني عادًا الأولى، كما قال قتادة بن دعامة، والسدي: أن إرم بيت يملكه [٣] عاد. وهذا قول حسن جيد قوي.

وقال مجاهد وقتادة والكلبي في قوله: ﴿ذَاتِ الْعِمَادِ﴾ كانوا أهل عمود لا يقيمون.

وقال العوفي، عن ابن عباس: إنما قيل لهم: ﴿ذَاتِ الْعِمَادِ﴾ لطولهم.

واختار الأول ابن جرير، ورد الثاني فأصاب.

وقوله: ﴿الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ﴾: أعاد ابن زيد الضميرَ على العماد، لارتفاعها، وقال: بنوا عُمُدًا بالأحقاف لم يخلق مثلها في البلاد. وأما قتادة وابن جرير فأعاد الضمير على القبيلة، أي: لم يخلق مثل تلك القبيلة في البلاد، يعني في زمانهم. وهذا القول هو الصواب، وقول ابن زيد ومن ذهب مذهبه - ضعيف، لأنه لو كان أراد ذلك لقال: التي لم يعمل مثلها في البلاد، وإنما قال: ﴿لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ﴾.

وقال ابن أبي حاتم (١١): حدثنا أبي، حدثنا أبو صالح كاتب الليث، حدثني معاوية بن صالح، عمن حدثه عن المقدام، عن النبي أنه ذكر: ﴿إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ﴾ فقال: "كان الرجل منهم يأتي على الصخرة فيحملها على الحي فيهلكهم".


(١١) ذكره السيوطي في "الدر المنثور" (٦/ ٥٨٣) وزاد نسبته إلى ابن مردويه.