قال الله تعالى: ﴿فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ﴾، أي: ليس أحد [١] أشد عذابًا من تعذيب الله من عصاه، ﴿وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ﴾، أي: وليس أحد أشد قبضًا ووثقًا من الزبانية لمن كفر بربهم ﷿ هذا في حق المجرمين من الخلائق والظالمين، فأما النفس الزكية المطمئنة وهي الساكنة الثابتة الدائرة مع الحق فيقال لها: ﴿يَاأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (٢٧) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ﴾، أي: إلى جواره وثوابه وما أعد لعباده في [٢] جنته، ﴿رَاضِيَةً﴾، أي: في نفسها ﴿مَرْضِيَّةً﴾، أي: قد رضيت عن الله ورضي عنها وأرضاها، ﴿فَادْخُلِي فِي عِبَادِي﴾، أي: في جملتهم، ﴿وَادْخُلِي جَنَّتِي﴾. وهذا يقال لها عند الاحتضار، وفي يوم القيامة أيضًا، كما أن الملائكة يبشرون المؤمن عند احتضاره وعند قيامه من قبره، وكذلك هاهنا.
ثم اختلف المفسرون فيمن نزلت هذه الآية، فروى الضحاك، عن ابن عباس: نزلت في عثمان بن عفان. وعن بُرَيدة بن الحُصَيب: نزلت في حَمزة بن عبد المطلب ﵁.
وقال العَوفيّ، عن ابن عباس: يقال للأرواح المطمئنة يوم القيامة: ﴿يَاأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (٢٧) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ﴾، يعني صاحبك، وهو بدنها الذي كانت تعمره في الدنيا، ﴿رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً﴾.
وروي عنه أنه كان يقرؤها: ﴿فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (٢٩) وَادْخُلِي جَنَّتِي﴾ وكذا قال عكرمة والكلبي، واختاره ابن جرير وهو غريب، والظاهر الأول؛ لقوله: ﴿ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ﴾، ﴿وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ﴾ أي: إلى حكمه والوقوف [٣] بين يديه.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن الحسين، حدثنا أحمد بن عبد الرحمن بن عبد الله الدشتكي، حدثني أبي، عن أبيه، عن أشعث، عن جعفر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس في قوله: ﴿يَاأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (٢٧) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً﴾، قال: نزلت وأبو بكر جالس، فقال: يا رسول الله، ما أحسن هذا. فقال:"أما [٤] إنه سيقال لك هذا".
ثم قال: حدثنا أبو سعيد الأشج (٢٠)، حدثنا ابن يمان، عن أشعث، عن سعيد بن جبير قال: قرئت [٥] عند النبي ﷺ: ﴿يَاأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (٢٧) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ
(٢٠) أخرجه أبو نعيم في الحلية (٤/ ٢٨٣ - ٢٨٤) من طريق أشعث عن جعفر عن سعيد بن جبير.