للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الله قال: "تحروا ليلة القدر في الوتر من [١] العشر الأواخر من رمضان" ولفظه للبخاري.

ويحتج للشافعي أنها لا تنتقل، وأنها معينة من الشهر، بما رواه البخاري (٣٥) في صحيحه، عن عبادة بن الصامت قال: خرج رسول الله ليخبرنا بليلة القدر، فتلاحى رجلان من المسلمين، فقال: "خرجت لأخبركم بليلة القدر، فتلاحى فلان وفلان، فرفعت، وعسى أن يكون خيرًا لكم، فالتمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة، وجه الدلالة منه: أنها لو لم تكن معينة مستمرة التعيين، لما حصل لهم العلم بعينها في كل سنة، إذ لو كانت تنتقل لما علموا تعينها إلا ذلك العام فقط، اللَّهم إلا أن يقال: إنه إنما خرج ليعلمهم بها تلك السنة فقط.

وقوله: "فتلاحى فلان وفلان فرفعت": فيه استئناس لما يقال: إن المماراة تقطع الفائدة والعلم النافع، وكما جاء في الحديث (٣٦): " إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه".

وقوله: "فرفعت" أي: رفع علم تعينها لكم، لا أنها وقعت بالكلية من الوجود، كما يقوله جهلة الشيعة، لأنه قد قال بعد هذا: "فالتمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة".

وقوله: "وعسى أن يكون خيرًا لكم"، يعني عدم تعيينها [٢] لكم، فإنها إذا كانت مبهمة اجتهد طلابها في ابتغائها في جميع محال وجائها، فكان أكثر للعبادة، بخلاف ما إذا علموا عينها [٣] فإنها كانت الهمم تتقاصر على قيامها فقط. وإنما اقتضت الحكمة إبهامها لتعم العبادة جميع الشهر في ابتغائها، ويكون الاجتهاد في العشر الأواخر أكثر. ولهذا كان رسول الله يعتكف العشر الأواخر من رمضان، حتى توفاه الله ﷿. ثم اعتكف أزواجه من بعده. أخرجاه من حديث عائشة (٣٧).


= حديث (٢٠١٧) (٤/ ٢٥٩). وطرفاه في [٢٠١٩، ٢٠٢٠]. ومسلم في كتاب: الصيام، باب: فضل ليلة القدر، حديث (٢١٩/ ١١٦٩) (٨/ ٩١).
(٣٥) أخرج البخاري في كتاب: فضل ليلة القدر، باب: رفع معرفة ليلة القدر لتلاحي الناس، حديث (٢٠٢٣) (٤/ ٢٦٧).
(٣٦) أخرجه أحمد (٢٧٧/ ٥) (٢٢٤٨٧). والنسائي في الكبرى في باب: الرقائق كما في تحفة الأشراف (٢/ ١٣٣) (٢٠٩٣). وابن ماجة في المقدمة، باب: في القدر، حديث (٩٠) (١/ ٣٥). قال البوصيري في الزوائد (١/ ٦١): سألت شيخنا أبا الفضل العراقي عن هذا الحديث، فقال: هذا حديث حسن. ا هـ.
(٣٧) أخرجه البخاري في كتاب: الاعتكاف، باب: الاعتكاف في العشر الأواخر، حديث (٢٠٢٦) =