للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقوله: ﴿فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ (٣)﴾ قال ابن جرير: إن [١] في الصحف المطهرة كتب من [] [٢] الله قيمة، عادلة مستقيمة، ليس فيها خطأ؛ لأنها من عند الله ﷿.

قال قتادة: ﴿رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً (٢)﴾، يذكر القرآن بأحسن الذكر، ويثني عليه بأحسن الثناء. وقال ابن زيد: ﴿فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ﴾ مستقيمة معتدلة.

وقوله: ﴿وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إلا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ﴾، كقوله: ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ يعني بذلك أهل الكتب المنزلة على الأمم قبلنا، بعد ما أقام الله عليهم الحجج والبينات تفرقوا واختلفوا في الذي أراده الله من كتبهم، واختلفوا اختلافًا كثيرًا، كما جاء في [٣] الحديث المروي من طرق (١٢): " إن اليهود اختلفوا على إحدي وسبعين فرقة، وإن النصارى اختلفوا على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة". قالوا: من هم يا رسول الله؟ قال: "ما أنا عليه وأصحابي".

وقوله: ﴿وَمَا أُمِرُوا إلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾، كقوله: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إلا نُوحِي إِلَيهِ [٤] أَنَّهُ لَا إِلَهَ إلا أَنَا فَاعْبُدُونِ (٢٥)﴾؛ ولهذا قال: ﴿حنفاء﴾ أي: متحنفين عن الشرك إلى التوحيد. كقوله: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾: وقد تقدم تقرير الحنيف في سورة الأنعام، بما أغنى عن إعادته هاهنا.

﴿وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ﴾، وهي أشرف عبادات البدن، ﴿وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ﴾، وهي الإِحسان إلي الفقراء والمحاويج. ﴿وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ﴾، أي: الملة القائمة العادلة، أو: الأمة المستقيمة المعتدلة.

وقد استدل كثير من الأئمة، كالزهري والشافعي، بهذه الآية الكريمة علي أن الأعمال داخلة في الإِيمان، ولهذا قال: ﴿وَمَا أُمِرُوا إلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (٥)﴾.

﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ (٦) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيرُ الْبَرِيَّةِ (٧) جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ


(١٢) تقديم تخريجه في تفسير سورة يونس، آية: (٩٣) برقم (٩٧).